مي زيادة و جبران خليل جبران
ولدت مَيّ زيادة سنة 1886 م. في الناصرة في فلسطين ، من أب لبناني
ماروني و امّ فلسطينية أرثوذكسية .
تعـلـّمت ميّ القراءة و الكتابة في دير الناصرة ، ثمّ انتقل أبوها ليعمل في التدريس في لبنان ، فدرست ميّ في مدرسة
راهبات.
و تعـلـّمت مي ّ زيادة عدّة لغات أجنبية و أتقنتها .
و بعـد ذلك ، انتقل أبوها إلى القاهرة ليعمل في الصّحافة فانتقلت و أمّها معه.
و في القاهرة ، أسس إلياس زخور زيادة ، أبو ميّ ، جريدة " المحروسة "،
فحررت ميّ فيها بابا ً اسمته " يوميات فتاة ".
و كانت مي ّ في السّادسة والعـشرين من عـمرها ، في سنة 1912، عـندما أرسلت رسالة لجبران خليل جبران تبدي له فيها عـن إعـجابها بكتاباته.
و لكن من هو جبران ؟
ولد جبران خليل جبران في جبل لبنان سنة 1883 م. و في الخامسة من
عـمره بدأ يتعـلّم مبادئ العـربية و السّريانية و الفرنسية.
ثمّ ذهب مع أمّه وأخوته إلى مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية ، و هناك تعـلـّم الإنكليزية .
و في الخامسة عـشرة من عـمره عـاد إلى لبنان و بقي فيها ثلاث سنوات
حتى أتقن اللغـة العـربية. و رجع بعـدها إلى بوسطن حيث بدأ يرسم ،
و أقام معـارض للوحاته ، و بدأ يكتب مقالات بالعـربية في جرائد المهجر
و أصدر مجموعـتين قصصيتين.
ثمّ سافر إلى باريس ليدرس الرّسم ، و بقي فيها سنتين .
و ذهب إلى نيويورك التي لم يتركها بعـد ذلك .
أجاب جبران عـلى رسالة ميّ ، وأرسل لها رواية " الأجنحة المتكسّرة "
التي كان قد نشرها في نيويورك .
و كتبت له ميّ أنـّها لا توافقه على آرائه و خاصة في الزواج .
و بدأت بينهما مراسلة استمرت تسع عـشرة سنة ، لم يلتقيا فيها أبدا ً.
و في سنة 1913 م. فتحت ميّ صالونا ً أدبيا ً في بيتها ، كان يعقد في
يوم الثلاثاء من كلّ أسبوع ، وكان يجتمع فيه الكتـّاب والشّعراء والمفكّرون
و كانت تتحدث فيه دائما ً باللغة العربية الفصحى . و استمر هذا الصّالون
إلى السّنوات الثلاثين .
أرسلت ميّ صورتها لجبران في سنة 1921 ، فرسمها بالفحم و أرسلها لها .
و تحولت عـلاقة ميّ بجبران ، قليلا ً فقليلا ً ، من الإعـجاب الأدبي إلى
صداقة روحية ثمّ إلى حبّ .
كتبت ميّ لجبران :
" أريد أن تساعـدني و تحميني و تبعـد عـنـّي الأذى ليس بالرّوح
فقط ، بل بالجسد أيضا ً ...
حدثني عـن صحتك ، و أذكر عـدد ضربات قلبك ، واخبرني
كيف تقضي نهارك ؟ "
و كتب جبران لميّ :
" أنت تعيشين فيّ و أنا أعيش فيك ".
ثمّ كتبت ميّ لجبران تعـترف بحبها له ، و بخوفها من هذا الحبّ
الذي لا أمل منه ، فأجابها جبران بهذه الرّسالة :
" نيويورك 26 شباط 1924 ،
نحن اليوم رهن عاصفة ثـلجية جليلة مهيبة ، وأنت تعلمين أنـّي
أحبّ جميع العواصف ، و خاصة الثلجيّة .
أحبّ الثـلج ، أحبّ بياضه ، وأحبّ هبوطه، وأحبّ سكونه العميق.
و أحبّ الثـلج في الأودية البعيدة يتساقط مرفرفا ً، ثمّ يتلألأ
بنور الشّمس ، ثمّ يذوب و تسيل أغنيته المنخفضة .
تقولين لي إنـّك تخافين من الحبّ .
أ تخافين نور الشمس ؟
أتخافين مدّ البحر ؟
أتخافين مجئ الرّبيع ؟
لماذا يا ترى تخافين الحبّ ؟ "
و في سنة 1926 م. عرضت جريدة " السّياسة الأسبوعية " على ميّ
تحرير القسم النسائي ، و لكنّها اقترحت بدلا ً عن ذلك بابا ً يطرح فيه
القرّاء أسئلة يجيب عليها قراء آخرون ، ففتحت الجرائد للقرّاء .
نادت ميّ زيادة بتحرير المرأة و تعـليمها و إعطائها حقوقها .
و في سنة 1931 مات أبوها بعـد مرض طويل ، و بعـد أشهر مات
جبران مريضا ً في نيويورك قبل أن يستطيع الوفاء لها بوعـده بأن
يلتقيا في لبنان ليرى الواحد منهما الآخر.
ثمّ ماتت أمـّها في نهاية هذه السّنة .
و قد أوصلت هذه المصائب و الفواجع ميّ زيادة إلى الإنهيار العصبي .
و استغـل ابن عـم لها حالتها هذه فأدخلها مستشفى للأمراض العقلية في
لبنان ، ظلت فيه سبعـة أشهر.
و قام عـدد من الصّحفيين والأدباء بمساعـدتها و اخراجها من المستشفى.
و عـادت ميّ زيادة تلقي المحاضرات و تكتب المقالات حتى ماتت في
خريف نة 1941 م.س