بات المزاج العام في الشارع المصري أشد قساوة تجاه رئيسه المخلوع حسني مبارك منذ الإطاحة به قبل عام من الآن.
وتقول الروائية الصحفية والناشطة الحقوقية المصرية أهداف سويف إن الاتجاه السائد في البلاد الآن هو أن مبارك يستحق، بل يجب أن تُنزل عليه أقصى عقوبة، وهي الإعدام.
غير أنها تستطرد في مقال تحت عنوان "نهاية عصر مافيا حسني مبارك" بصحيفة ذي غارديان البريطانية اليوم السبت، لتقول إن المجلس العسكري الأعلى إخلاصا منه للتسلسل الهرمي والتقاليد العسكرية واحتراما لقادة القوات المسلحة، سيجد من العسير عليه رؤية الرجل الذي كان قائدهم الأعلى طوال ثلاثين عاما وقد نال العقوبة التي يستحق.
لم تكن رغبة المتظاهرين يوما هي تقديم مبارك لمحكمة جزئية، بل كانوا يريدون محكمة عادلة وشاملة وكانوا على استعداد لتفهم ما قد تستغرقه هذه المحاكمة من وقت.
ولكن ما إن بدأت إجراءات المحاكمة تطول حتى عرفنا الكثير والكثير عن حجم الدمار المنظم الذي كان الرجل يشرف عليه. وتمثل ذلك الدمار في المصانع التي توقفت عن الإنتاج، والوزارات التي أفلست، والمياه التي سُمِّمت، والقطع الذهبية والآثار القديمة التي هُرِّبت إلى الخارج، والديون الخارجية التي تراكمت واختُلِست، والأرواح التي أُزهِقت.
وما كاد الشعب المصري يقف على تلك الحقائق حتى نما إلى علمه أن مبارك ما يزال ينعم برغد العيش في سجن المستشفى الذي يقيم فيه على شواطئ شرم الشيخ، ثم فيما قيل إنه جناح من 11 غرفة في المركز الطبي الدولي بكل ما فيه من أجهزة هاتف وشاشات البلازما.
ويُنقل بطائرة مروحية من صالة الألعاب الرياضية (الجمنازيوم) بالمركز إلى سريره الطبي في قفص الاتهام بقاعة المحكمة. فمن يدفع كل هذه التكاليف؟ تتساءل أهداف سويف ثم تمضي لتقول إن القوات المسلحة تنفي أنها هي التي تسدد تلك الرسوم.
وينظر الشعب إلى كل ذلك على خلفية قانون الحد الأدنى للأجور الذي نجح المحامون في إجازته للتو، والذي يكفل أجرا يبلغ 1500 جنيه مصري أي ما يعادل 157 دولارا أميركيا. لكن الحكومة تقول إنها لا تستطيع دفعه لأنها لا تملك المال الكافي، وتقترح بدلا عن ذلك أجرا بقيمة 700 جنيه -أي 73 دولارا- في الشهر.
ثم إننا ننظر إلى كل تلك الحقائق من واقع أن القوات المسلحة وعلى رأسها المجلس العسكري الأعلى -ربائب مبارك الذين تركهم وراءه ليشرفوا على الأمور- هي التي أدارت المواجهات مع الشعب والتي سقط أثناءها نحو مائتي مدني قتلى، وجرى تقديم 12 ألف شخص للمحاكمة العسكرية.
فلا غرو إذن أن يتحول المزاج العام من مجرد عبارة "ارحل" لنسمع بدلا عنها الآن شعارات تطالب بإعدام مبارك.
وتخلص أهداف سويف إلى القول إنه كان من الواجب بالطبع محاكمة مبارك على دوره في قتل المتظاهرين في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2011، لكن ذلك كان تتويجا لمسيرة اتسمت بأنشطة وصلاحيات كفيلة بأن تبرر اتهامه بالخيانة العظمى، وبإدارة البلاد على نحو يصون مصالح ليست مصالح مواطنيها.
ومن شأن محاكمته بتهمة الخيانة العظمى أن تكشف كذلك من هم الأطراف الحقيقيون في القضية.