الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان تطالب بإقالة الحكومة السورية وإعفائها من مسؤولياتها
إن حالة التضخم التي يعاني منها الاقتصاد السوري والتي أرخت ظلالها بوضوح على المستوى العام للمعيشة في ظل ارتفاع حاد في الأسعار لمختلف السلع من مأكل وملبس وسكن وخدمات وعجز واضح للأجور والرواتب عن مواجهة هذه الارتفاعات الجنونية للأسعار تدفعنا للتساؤل عن جدية الإجراءات التي إتخدتها الحكومة السورية الحالية للحد من التدهور الواضح في مستوى المعيشة .
وقد جاء أداء الحكومة في مواجهة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد ليعكس بصورة واضحة ضعف قدرة الحكومة الحالية على التعامل مع ظروف طارئة رغم كل ما يشاع عن استعدادات دائمة لمواجهة أي احتياجات خارجة عن المألوف ، وما يثير الشجون في النفس هو أن نعود من جديد للحديث عن أزمة رغيف في محافظاتنا، ونحن من الدول المصدرة للقمح .
إن الحق في الغذاء الكافي يرتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بالكرامة المتأصلة في الإنسان، وهو حق لا غنى عنه للتمتّع بحقوق الإنسان الأخرى المكرسة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
إن حق الإنسان في الغذاء الكافي معترف به في العديد من الصكوك بموجب القانون الدولي. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعنى بصورة أشمل من أي صك آخر بهذا الحق. فطبقاً للمادة (11-1 ) من هذا العهد، تقر الدول الأطراف "بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف لـه ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغـذاء، والكساء، والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية"، بينما تعترف طبقاً للمادة ( 11-2) بأن تدابير أكثر استعجالاً وإلحاحاً قد تلزم لتأمين "الحق الأساسي في التحرر من الجوع وسوء التغذية". وحق الإنسان في الغذاء الكافي يتسم بأهمية حاسمة بالنسبة للتمتع بجميع الحقوق ، لكن مجرد الحديث عن تمتع المواطن السوري بقائمة الحقوق المدنية والسياسية يصبح فارغا من كل معنى بالنسبة لمواطن يكرس طاقاته اليومية وعلى كافة المستويات لسد الرمق وبحثا عن العيش الكريم .
إن استمرار الوضع الاقتصادي الراهن سيؤدي إلى استمرار انخفاض مستوى المعيشة وتزايد البطالة واستمرار تدني القدرة التنافسية لسوريا واستمرار تدنيها في سلم التنمية العالمي. ويشكل كل هذا تهديداً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لسوريا ، كما أن تفاقم الأزمة الإقتصادية سيساهم بشكل مؤكد إلى إنهيار الطبقة الوسطى بكافة قيمها وأخلاقياتها، وهي الطبقة التي تشكل رافعة للنهوض الاجتماعي والثقافي والأخلاقي في المجتمع وبازدياد رقعة الفقر في المجتمع تضعف القدرة الشرائية ، وهذا بدوره سيساهم في الركود الاقتصادي كما ستنتشر الأمراض الاجتماعية كالفساد والجريمة والتحلل الذي تعاني منه الأسر التي تأثرت حياتها بشكل مباشر بالأزمة، وتدل الإحصائيات على ارتفاع الجريمة وتزايد حالات الطلاق والانحراف حيث تعاني هذه الشريحة من عدم القدرة على العودة للمستوى المعيشي الذي كانت عليه، وتحت وطأة الديون والقروض وفقدان الثقة وما إلى ذلك تعيش هذه الطبقة أبعادا نفسية واجتماعية خطيرة.
ومن المؤكد أن نهج الاقتصاد الموجه الذي تتبعه سوريا منذ الستينات ليس بمقدوره، عمليا وعلميا، حل الأزمة الاقتصادية الراهنة، هذا إذا لم يزدها عمقا وتفاقما، خاصة وأنه يصطدم بمعوقات عديدة تبدأ من البيئة التشريعية التي رعت نظام التخطيط المركزي مرورا بالجمود في الهياكل والمؤسسات الإنتاجية للقطاع العام وعطالة البيروقراطية السورية وتخلف المنظومة القانونية، ومرورا بضعف وتفتت القطاع الخاص نتيجة تحجيم دوره طيلة عقود، انتهاء بتدني معدلات الاستثمار وتزايد نسبة البطالة وتفشي ظواهر الفساد وغياب قانون خاص بمكافحة الفساد يمكن من خلاله محاسبة الذين أثروا عبر مواقعهم في السلطة وما اقتطعوه من المال العام.
إن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد صارت الشغل الشاغل للجميع وبات الإصلاح والتغيير ضرورة ملحة تمليها حاجات المجتمع السوري ومسارات تطوره، لكن طريقها إلى النجاح لا يمر عبر إجراءات فوقية متفرقة أو قرارات وخطط جاهزة تطبق هنا وهناك، ويجري، باستسهال مخيف، تبديلها وتغييرها تبعا لدرجات النجاح والفشل، بل عبر تبني إصلاح شامل على كافة الأصعدة سياسيا وإداريا وقضائيا.
إننا من هذا المنطلق نطالب بحجب الثقة عن الجكومة السورية الحالية ، وإقالتها وإعفاءها من مسؤولياتها التي فشلت في تحملها ولعجزها الواضح عن التصدي لأهم مشكلات المواطن السوري وأبسط حقوقه ، وتأتي مطالبتنا هذه في وقت تحتاج فيه سوريا لرؤية جديدة حول مستقبلها الاقتصادي والسياسي في المنطقة وترجمة هذه الرؤية إلى عملية إصلاح عميقة وشاملة ومتعددة الجوانب، مترافقة مع خطة تنمية شاملة، وذلك حتى ترقى سوريا إلى مستوى التحدي الداخلي والتحدي الخارجي الذي تواجهه ، ولتعميق فعالية برنامج الإصلاح وتخفيف صعوباته، لا بد من مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في إعداد البرنامج، كما في تنفيذه، وأن تلعب هذه المؤسسات دور المشارك والرقيب والمسائل والمحاسب.