الجزء الثاني
القاعدة الخامسة: أن الورع إنما هو بأدلة الكتاب والسنة:
قال رحمه الله:"الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه، فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة وبالعلم لا بالهوى، وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس[ …..ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لما ترخص في أشياء فبلغه أن أقوام يتنزهون عنها. فقال: ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخص فيها؟ والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم، وفي رواية أخشاهم وأعلمهم بحدودهم له وكذلك حديث صاحب القُبلة، ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلاَّ فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم".
القاعدة السادسة: الورع لا يكون إلا بالإخلاص:
قد تأتي الإنسان اعتبارات تدفع إلى الورع، فقد يكون له مقام واعتبار ويرى أنه مما ينبغي أن لا يليق بأمثاله أمام الناس، فيكون دافعه إلى ذلك مُراءاة الناس، وقد يكون دافعه حظ النفس أو هوى النفس، أو غيرها من الأمور؛ فالورع مثل سائر الأعمال الصالحة التي يتقرب فيها الإنسان إلى الله عز وجل لابد فيها من الإخلاص، قال شيخ الإسلام:"واعلم أن الورع لا ينفع صاحبه ويكون ثواب إلا بفعل المأمور به من الإخلاص".
القاعدة السابعة: التدقيق في مسائل الورع للخاصة وليس لآحاد الناس:
قال الحافظ ابن رجب: "وههنا أمرٌ ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه وهذا حال بعض المتكلفين المرائين يسلك هذا المسلك كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هما ريحانتاي في الدنيا"…. ونقل بعض النقول عن بعض السلف هي أمثلة عن هذا النوع من ذلك …ثم قال :وسأل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فيفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل، وسُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري بقلاً ويشترط الخوصة -يعني التي يربط بها جزرة النقل- فقال أحمد :إيش هذه المسائل، قيل له إنه: إبراهيم بن أبي نعيم، قال: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم فنعم، هذا يشبه ذلك، وإنما أنكر أحمد هذه المسائل ممن لا يشبه حاله وأما أهل التدقيق في الورع فيشبه حالهم هذا، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل في نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشتري له سمنا فجاء به على ورقة فأمر برد الورقة إلى البائع، وكان أحمد لا يستمد من محابر أصحابه وإنما يخرج منه محبرة يستمد منها، واستأذنه رجل أن يكتب من محبرته فقال:أكتب فهذا ورع مظلم، واستأذنه آخر في ذلك فتبسم وقال: لم يبلغ ورعي ولا ورعك هذا، وهذا قاله على وجه التواضع، وإلاَّ فهو كان في نفسه يستعمل هذا الورع، وكان ينكره على من لم يصل إلى هذا المقام بل يتسامح في المكروهات الظاهرة ويقدم على الشبهات من غير توقف".
وهذا الأمر مهم أن نعيه ونحن نقرأ ، ووردت بعض الروايات عن السلف في ورعهم حتى لا نقع في هذا الغلط الذي له آثار سلبية على نفوسنا؛ فنحن أحوج ما نكون إلى الورع الواجب، وأحوج ما نكون إلى اجتناب المحرمات الظاهرة الواضحة، وأحوج ما نكون إلى إصلاح قلوبنا، فإذا انشغلنا بهذه الدقائق تركت آثاراً على أنفسنا، منها أن تشعر أنفسنا بالزهو واحتقار الآخرين وأن الناس لا يتورعون، ومنها أن تنشغل النفس عما هي أولى به من إصلاح القلب والورع الواجب.
نماذج من الورع:
لاشك أن أولى النماذج ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الحديث المشهور في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال:"لولا أخاف أن تكون تمر الصدقة لأكلتها". وتضور صلى الله عليه وسلم ليلة فقيل له في ذلك فقال:"إني وجدت تمرة مسقوطة فأكلتها، فأخشى أن تكون تمر الصدقة" .
ومن ذلك ماروته عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر - رضي الله عنه - حين كان له غلام يأتيه بالخراج، فكان يسأله عن هذا الطعام الذي يأتي به فلم يسأله ذات يوم فقال ما بالك لم تسألني فسأله أخبره أنه كان تكهَّن في الجاهلية ولم يحسن الكهانة فجاء وتقاضى هذا. فتقيأ أبو بكر رضي الله عنه ما في بطنه، مع أن هذا الأمر لا يلزمه والطعام ليس حراماً؛ لأنه أكله وهو لم يعلم بتحريمه وهو معذور كل العذر في ذلك، ولكن هذا من ورعه رضي الله عنه.
ومرَّ عبادة بن الصامت رضي الله عنه بقرية دُمَّر فأمر غلاماً أن يقطع له سواكاً من صفصاف على نهر بردى فمضى ليفعل ثم قال له ارجع فإنه إلا يكون بثمن فإنه ييبس فيعود حطباً بثمن.
وسقط من كهمس دينار ففتش عنه فلقيه، ثم لم يأخذه قال لعله غيره.
ويروي الحسن بن عرفة عن ابن المبارك قال: استعرت قلماً بأرض الشام فذهبت على أن أرده فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه.
وكان علي بن الفضيل بن عياض ووالده من الورعين الزهاد وكان الابن قد توفي في حياة والده وكان والده يتحدث عن ورعه وزهده، كانت له شاة أكلت شيئاً يسيراً من علف أمير فما شرب لها لبناً بعد، وسقط منه عدة دنانير فجاء بنخال ليطلبها فقال عقبة فوجدتها ثم فكرت فقلت ليس في الدنيا غير دنانيرك فقلت للنخال: هي في ذمتك وذهبت وتركته.
وروى ابن أبي الدنيا في الورع عن أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن فرفعت يدها من العجين وقالت:"هذا طعام قد صار لنا فيه شريك"؛ لأن هذا الطعام قد صار للورثة، وأخرى أتاها نعي زوجها والسراج يتقد وقالت هذا زيت قد صار لنا فيه شريك.
هذه بعض النماذج من ورع السلف والأمثلة على ذلك كثيرة، وحين تقرأ في أي كتاب من كتب التراجم لا تخطئك مثل هذا المواقف وغيرها عن سلف الأمة رضوان الله عليهم.
الصحوة والورع :
تحدثنا حول قضايا للتأصيل الورع وبعض القواعد المهمة فيه، ثم نعود بعد ذلك إلى الحديث إلى الصحوة وحاجتها إلى الورع، وهي تتمثل في أمور:
الأمر الأول: أن نكون قدوة في الورع:
فنحن أولاً نحتاج إلى الورع في الجانب الشخصي والسلوك عند الناس؛ فنحن قدوة أمامهم بدءاً بالورع الواجب مما أوجبه الله سبحانه وتعالى من فعل الواجبات وترك المحرمات ولعلنا نتساءل معشر الإخوة الكرام نتساءل بأسى فعلاً وحُزن أين نماذج العباد الصالحين الأخيار الأتقياء التي كنا نسمع عنها في حياة السلف ؟ أين صور العبادة والإقبال على الله سبحانه وتعالى والزهد والورع والخوف من الله عز وجل وصلاح القلوب ؟ أين تلك الأحوال التي سُقنا بعضها والتي نسمع عنها من أخبار السلف؟ ما بالنا حينما نسمعها نشكك فيها أو في نسيتها أو نبحث عن المعاذير؟ لأننا لم ترق نفوسنا أصلاً لإدراك هذه المعاني.
هانحن نرى جيل الصحوة المبارك وقد ملأ الآفاق وانتشر بحمد الله وعلا صوته، فهل نرى في جيلنا العباد والزهاد والورعين؟ نحن لا نحكم على الناس ، ولا شك أن هذا الجيل فيه خير كثير والحمد لله لكننا نفتقد هذا الجانب كثيراً في سلوكنا ونحن أحوج ما نكون إلى دعوة الناس بأعمالنا وسلوكنا؛ فالمقالة التي يقولها المرء قد تحرك القلوب وتؤثر في النفوس، وقد تسطَّر وتتداولها الأجيال، لكنها لا ترقى إلى موقف وحدث يروى، فيترك أثراً عظيماً في النفوس أبعد بكثير من آثار هذه الكلمة المجردة، لماذا لا نسعى أن نتمثل هذه النماذج في أنفسنا؟ فندعو الناس بأعمالنا وأحوالنا قبل أن ندعوهم بأقوالنا وأن نكون ممن إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل.
الأمر الثاني: تربية الجيل على الورع:
ثمة سؤال له أهميته يفرض نفسه: مامدى اعتنائنا بهذه الأمور في تربيتنا لجيل الصحوة؟ وأين موقعها من أهدافنا وبرامجنا التربوية؟
إن هذا الجيل المقبل اليوم على التدين من الشباب والفتيات ينظر الناس إليه بعين الأمل، وينتظرون منه الكثير، وفي المقابل ينظرون إليه بنظرة المشفق الخائف عليه من ألا يواصل الطرق؛ فهو جيل يعاني في ظل هذا الواقع من أزمات ومن مشكلات، يعاني من تفتح أبواب الفساد والمعصية أمامه، ومن ثم فهو أحوج ما يكون إلى أن يربى على الورع والتقوى، من خلال اختيار المربين الذي يعيشون هذه المعاني، ومن خلال الاعتناء بتناول هذه الموضوعات فيما يقدم للشباب من برامج تربوية.
إنه جيل محاط بفتن الشهوات وفتن الشبهات، ومحاط بوسائل تصده عن سبيل الله عز وجل وتفتنه، إن هؤلاء وأولئك لو تربوا على الورع والإيمان والتقوى والصلاح لسمت نفوسهم ولاستطاعوا بإذن الله عز وجل وتوفيقه اجتياز هذا البلاء وهذا الامتحان.
وكم نرى اليوم ممن تنكب الطريق وممن يزيغ يمنة ويسرة، ولو عنينا بتربية الإيمان والتقوى والورع في النفوس لكان ذلك بإذن الله سبحانه وتعالى وتوفيقه حاجزاً وسدًّا مانعاً من مقارنة هذا الفساد والانحراف لكان مانعاً بإذن الله عز وجل من ضياع هذه الناشئة.
الأمر الثالث: الورع عن ترك الدعوة:
من العجائب أن ترى من الناس من يسكت ويقعد عن الدعوة؛ فيتورع عن الحديث إلى الناس وعن نشر علم أتاه الله إياه، لا يتورع من أن يكون ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا[ فمن الذي يتورع من أن يكون من أهل هذه الآية؟
إنه يتورع من أن يقول ما لا يفعل، أو يعرفه الناس ويشيروا إليه بالصلاح، لكنه ينسى من أن يكون ممن يلعنهم الله ويعلنهم اللاعنون، وممن يكتم ما أنزل الله من البينات والهدى، أو أن يلجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، كما قال r :"من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" .
فكما أننا ينبغي أن نتورع في كلامنا ومنطقنا فلا يتحدث المرء إلا بما يعلم ولا يقول إلا ما يحسن ولا يدعو إلا بعلم، فيجب أن نتورع عن كتمان العلم.
لقد أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس ]وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لنبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون[ ومن هم أهل العلم؟ إن أهل العلم هم كل من آتاه الله علماً في مسألة من المسائل فمن علم أمراً من شرع الله عز وجل وتقينه فهو من أهل العلم في هذه الميدان ويصدق عليه قول الله عز وجل: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون[.
وكان بيان الحق مما بايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، كما في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - :"بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر المنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق حيث كنا لا تأذنا في الله لومة لائم".
إذن فالقعود عن المشاركة في الأعمال الدعوية وعن إنكار المنكرات وعن تعليم ما يحتاجه الناس هو إخلال بالورع الواجب، وهو مجلبة لاستحقاق لعنة الله سبحانه وتعالى ولعنه اللاعنين، وهذا من كيد الشيطان ببعض المتدينين والعابدين.
الأمر الرابع: الورع عن القول على الله بغير علم:
وكما أن المسلم يجب أن يتورع عن كتمان العلم وترك بيانه، فعليه أن يتورع من أن ينطبق عليه قول الله تعالى: ]وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ أو قوله عز وجل]:ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كان عنه مسؤولاً[ ،وعليه أن يعلم أنه مسؤول أمام الله عز وجل عن كل كلمة يقولها، فيبذل جهده ووسعه في البحث عن الحق والله سبحانه وتعالى يغفر له، بل هو مأجور على اجتهاده.
وحينما تريد أن تقول كلمة تنقل عنك أو تريد أن تنكر منكراً أو تأمر بمعروف فعليك أن تسأل نفسك هل هذا مما يرضاه الله ويرضاه رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا من الحق الذي لا مرية فيه؟ أم أن ثمة مداخل فعليه أن يتورع ويعلم أنه موقِّعٌ عن رب العالمين.
الأمر الخامس: التورع في الأنشطة الدعوية والتربوية:
يقع بعض المربين في مخالفات شرعية ظاهرة واضحة، وكثيراً ما ننسى الضوابط الشرعية المهمة في مثل هذه الميادين، فمن ذلك أن نتصور أن المربي ينبغي أن يعلم من أحوال من يربيه أموراً كثيرة، فيعطي نفسه صلاحيات واسعة تتيح له تجاوز كثير من الضوابط الشرعية.
إن الأصل أن أعراض الناس محفوظة لا يجوز الحديث عنها، ولا ذمهم ولا غيبتهم، وحين تأتي حاجة تتيح ذلك فإنها ينبغي أن تكون محصورة في هذه الدائرة، فأحياناً يغفل المرء عن هذا فيتوسع في مثل هذه الميادين، وتتحول الحاجة إلى قاعدة عامة، وننسى أن أعراض المؤمنين أعراض محفوظة، وأن الحديث عنهم في غَيْبَتهم داخل في قول الله سبحانه وتعالى ]:ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه[ والتطلع على دقائق أمور الناس وخفاياهم أمر حرمه الله عز وجل فقال: ]و لا تجسسوا[ ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه مأمور بأن يعامل الناس على ظاهرهم فقال:"إني لم أؤمر أن أنقب عن بطون الناس" وتوعد صلى الله عليه وسلم من تتبع عورات الناس بقوله: "من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته حتى يفضحه الله ولو في جوف بيته" ، وهذا نص عام يخاطب كل الناس، ومن يتولى أمراً أو مسؤولية لا يعفيه ذلك من هذا الخطاب.
وقد أشار النبي r إلى هذا المعنى في نهيه أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وعلل ذلك بقوله : لئلا يتخونهم يطلب عثراتهم، مع أن مسؤولية الزوج عن زوجته أولى من مسؤولية هذا العلم عن طالبه .
وقال صلى الله عليه وسلم:" غيرتان يحبهما الله ورسوله، وغيرتان يبغضهما الله ورسوله، فالغيرة التي يجبها الله ورسوله الغيرة في ريبة، والغيرة التي يبغضها الله ورسوله الغيرة في غير ريبة".
فينبغي أن نراجع أنفسنا في أعمالنا الدعوية وفي جهودنا ووسائلنا وبرامجنا، هل هي تنضبط بالضوابط الشرعية أم لا؟ ويجب أن نعرف أن الداعية والمربي غير معفى من النصوص الشرعية، وأنه مخاطب بها شأنه شأن سائر الناس.
وقد يظن بعضهم أن في هذا الأمر مصلحة شرعية، ولو كان كذلك لأجازه النبي صلى الله عليه وسلم للزوج ولاستجاز أن يستمع لمن يخبره عن أصحابه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا أحب أن يبلغني أحد عن أحد شيئاً".
إن الواجب على الداعية أن يتعامل مع الظاهر، والظاهر مرآة للباطن في الغالب؛ فما يسره الإنسان لابد أن يظهر على جوارحه.
وصورة ثانية من الإخلال بالورع الشرعي الواجب ما نراه الآن من كثير من الدعاة على مستوى العالم الإسلامي من أعمال وتصرفات وتجاوزات فيها مجاوزة لحدود الله عز وجل، كالتحالف مع الأحزاب العلمية، بل وجد من الدعاة من يثني على الاشتراكيين ويثني على الشيوعيين، أو الترخص في كثير من الأحكام الشرعية كالاختلاط وسفر المرأة دون محرم، وغير ذلك.
ويجب أن نتساءل هل نحن نراجع برامجنا ووسائلنا وفق الضوابط الشرعية ابتداء ؟ أم أننا نذهب لتسويغها بعد أن نعملها؟ ففرق بين صورتين:
الأولى: أن نتخذ القرار، ثم نذهب للبحث عما يسوغه ويبرره، والثانية: أن نأتي متجردين لله عز وجل ونبحث ورائدنا هو الحق.
إن أي إنسان صاحب هوى يستطيع أن يصرف النصوص الشرعية كما يشاء، فإذا قررت أمراً ثم ذهبت بعد ذلك تبحث له عن مسوغ شرعي فسوف تجد ألف شبهة وشبهة، كما يقول أحد علماء السوء :أعطوني أي قانون من القوانين المترجمة عن الفرنسية والإيطالية فأخرجها لكم على الفقه الحنفي أو على الفقه المالكي.
ومن ذلك أن يكون التأصيل الشرعي قضية لاحقة، إنما جاء إسكاتاً لأولئك الذين تساءلوا: ما مدى الانضباط الشرعي في هذا العمل؟ وما مدى اتفاقه مع الضوابط الشرعية والمنهج الشرعي؟
نسأل الله الهداية والسداد والصلاح نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الورع ويجعلنا وإياكم من المتورعين الصالحين إنه سميع مجيب.