يؤرخ الكتاب الموسوم "كتابات في المسألة الكوردية" لمعده ومقدمه رفيق صالح أحمد، والصادر، مؤخراً، عن مركز (زين) في السليمانية، لمرحلة عصيبة ومختلفة
، حيث كانت القضية الكوردية، آنذاك، تمر بمرحلة مخاض عسيرة جداً، وهي مرحلة الإعلان في ظل عداء جهات عديدة، فكانت القضية الكوردية تعلن عن نفسها وكينونتها بعد عدة انكسارات متتالية، نتيجة ثورات كوردية باءت بالفشل، بعد أن تم إخمادها بقسوة الحديد والنار والمجازر، لا سيما وأن تشتت الكورد، في تلك المرحلة، لعب دوراً مفصلياً في عدم نجاح وإنجاح تلك الثورات سواء في كوردستان تركيا أو في كوردستان العراق، أبان معاناة الشعب الكوردي من أبشع السياسات العنصرية في العصر الحديث
. لا يتنحى الكتاب بعمومه عن لغة الدفاع عن القضية الكوردية، بل يجانبها بسبل مختلفة، وعبر كتابات عديدة كتبت وأرخت لمهام المرحلة
.المساهمون في الكتاب هم الباحث شاكر خصباك وهو عراقي مقيم في اليمن، الأستاذ الراحل إبراهيم أحمد وهو سياسي ومناضل وشاعر كوردي، جلال طالباني رئيس جمهورية العراق الحالي، آية الله محمد باقر الحكيم مناضل عراقي راحل، وعدد آخر من الكتاب والباحثين منهم عزيز شريف، محمد شيرزاد، س.ج. أدموندس، علي كمال، الشيخ عمر غريب، والكتاب برمته فيه تنوع توثيقي حيث يحمل بين طياته وجهات نظر مختلفة حول القضية الكوردية تتوزع بين آراء يسارية وليبرالية وإسلامية وقومية
.وهنا سأركز على أربعة آراء فحسب، من منطلقات متفرقة، وهي آراء السيد جلال طالباني الأمين العام للإتحاد الوطني الكوردستاني، المناضل الراحل ابراهيم أحمد، الباحث شاكر خصباك وآية الله محمد باقر الحكيم
.السيد جلال طالباني الامين العام للإتحاد الوطني الكوردستاني يركز على القضية الكوردية من بابها الأكثر افصاحاً، من خلال محاضرته التي ألقاها في العام 1988 في معهد "ايبلا" في العاصمة الإسبانية مدريد، بورقة معنونة "حول القضية الكوردية في العراق"، ثم يلج الى جوهر القضية الكوردية وتطورها ومعاناتها في كافة أجزاء كوردستان، حيث يستعرض سبل حل القضية الكوردية من وجهات نظر مختلفة ومن تيارات مختلفة، منها الحل البعثي العراقي، الحل الناصري للقضية الكوردية، والحل الاشتراكي العلمي للقضية الكوردية في العراق، وحل القضية الكوردية في العراق من وجهة النظر الكوردية، وفي هذا الحل الأخير يؤكد طالباني انه لما كان الشعب الكوردي شعبا عريقا أصيلاً فمن الطبيعي أن يكون له حقه في تقرير مصيره بنفسه، أسوة بسائر الشعوب، وهذا الحق هو الحق الطبيعي المعترف به دولياً لجميع الشعوب، وفق ميثاق الأمم المتحدة والاعلان الدولي لحقوق الانسان والقرارات الصادرة من المنظمات الدولية، ثم يستنتج الامين العام للإتحاد الوطني الكوردستاني جلال طالباني ان الاتحاد الاختياري هو الحل الصائب والأمثل
.الأستاذ إبراهيم أحمد كتب ورقته بعنوان "الكورد والعرب" عبارة عن كتيب أصدره لفيف من الشبان الكورد في العام 1937 ، حيث كان الكتيب محاولة جريئة موفقة لفضح وإحباط المناورات الرجعية، والكتيب وثيقة تاريخية، بحسب مقدمه "بيروت"، لانه يكشف حقيقة أن العناصر التقدمية الكوردية قد أدركت وفهمت بوعي، طبيعة واقع العلاقات الأخوية بين الشعبين العربي والكوردي وآمنت بضرورة تقوية الكفاح المشترك ضد الدكتاتورية
.يتطرق السيد إبراهيم أحمد الى الحقبة العثمانية ومحاولات السلطان العثماني إخضاع الأكراد الى سلطته، ويسلط الضوء على التيارات الفكرية والثورات الاجتماعية التي كان يشهدها الغرب، في وقت كانت سياسة التتريك تنفذ بلاهوادة، ويحاول منفذوها انشاء امبراطورية تحيي مجد جنكيزخان وتيمورلنك وتعيد عهد الذئب الأغبر، حيث يحذر الكاتب عبر كتيبه، من مغبة التعصب القومي الذي كان سائداً بشكل مفرط آنذاك، خاصة في فترة ظهور الاستعمار الجديد، وتعدد الاتفاقيات التي كانت تقسم المنطقة دون إرادة شعوبها
.أما الباحث شاكر خصباك فيبحث في النظريات الجدية التي بحث في أصل الكورد وبحسب خصباك فأن تلك النظريات تستند الى ثلاثة أسس، هي تقاليد الشعب الكوردي ومميزاته الاجتماعية، الدلائل اللغوية (الفيلوجية)، مميزات اللغة الكوردية والدلائل التاريخية
.ثم يبين الباحث خصباك أن هناك نظريات حولا الأكراد، لكن النظرية المتغلبة هي تلك التي تربطهم بالميديين على أساس أن الكوتيين قد اندمجوا بالميديين بعد سقوط نينوى في العام 660 قبل الميلاد، أما كلمة كوردستان كاصطلاح جغرافي قيبدو أنها ظهرت لأول مرة في القرن الثاني عشر الميلادي في عهد السلاجقة، فقد فصل السلطان سنجار القسم العربي من إقليم الجبال ووضعه تحت حكم قريبه سليمان شاه، وكانت هذه الولاية الجديدة تشتمل على الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (سنه، جينور، همدان، كرمنشاه) بالإضافة الى المناطق الواقعة غرب جبال زاغروس كشهرزور وكويسنجق
.وفيما يخص اندلاع الثوارات الكوردية في تركيا، بدءاً بثورة الشيخ سعيد بيران في العام 1925 ومروراً بثورة الجنرال احسان نوري باشا بين عامي 1927 و 1930 وانتهاءً بثورة إقليم ديرسم في العام 1937، ولكن برمتها تلك الثورات تم القضاء عليها لعوامل دينية والوسائل القاسية التي أتبعتها الحكومات التركية المتعاقبة ضد تلك الثورات، أما على الجانب العراقي فقد اندلعت ثورة الشيخ محمود الحفيد بين عامي 1920 و 1930، ثم نشبت الثورة البارزانية الأولى العام 1931 والثانية 1935 ثم تلك الثورة التي قادها الملا مصطفى البارزاني في العام 1943 والتي بدأت بالاحتجاج على المعاملة السيئة التي تلقتها عشيرة بارزان من قبل الحكومة، وفي ايران، وبحسب الباحث شاكر خصباك فأن الثورات الكوردية كانت أقل حدوثاً ومن أهم تلك الثورات، تلك التي قام بها سمكو (اسماعيل آغا شكاك) عقب الحرب الكبرى الأولى وكان الهدف منها استقلال كوردستان ايران
.أما الثورة الثانية فهي ثورة قاضي محمد التي كانت ثورة سلمية حيث أعلن الحزب الديمقراطي الكوردستاني في 15 كانون الأول العام 1945 تأليف حكومة كوردية وسميت بجمهورية مهاباد
.من جهته ينظر آية الله محمد باقر الحكيم الى القضية الكوردية من وجهة نظر اسلامية ويرى أن معالجة القضية القومية تنطلق من قواعد ثابتة، كالاعتراف بالخصوصيات القومية مثل العلاقات الاجتماعية والعائلية واللغة والتراث والآثار الحقوقية والأخلاقية، وبحسب الحكيم فان الاطار السياسي العام للمجتمع في النظرية الاسلامية يقوم على أساس الوحدة الانسانية (كان الناس أمة واحدة) مركزاً في الوقت ذاته على أن الكورد عليهم ممارسة الجهد للتكيف وتحقيق الهدف العظيم في الانسجام والتلاحم مع الشعوب الاسلامية
.كتاب " كتابات في المسألة الكوردية" كتاب توثيقي هام، تكمن أهميته القصوى في أنه يأخذ بآراء مشتعبة للوصول الى صيغة واحدة، وليكون السؤال الأخير أيضاً نساله مع أي متابع "أين وصلت القضية الكوردية راهنا
".هامش:اسم الكتاب: كتابات في المسألة الكوردية
اعداد وتقديم: رفيق صالح أحمد
منشورات مركز زين لاحياء التراث الوثائقي والصحفي الكوردي/ السليمانية
.