وساطة روسية تنفيها دمشق لسيادة سورية على الجولان مقابل تأجيرها لإسرائيل
رغم نفي دمشق المتواصل، فإن ثمة مؤشرات الى وجود اتصالات وان كانت عبر طرف ثالث، بين
سورية واسرائيل بغرض التوصل الى تفاهم حول مستقبل مرتفعات الجولان المحتلة. بل يذهب الرئيس الاسرائيلي شيمعون بيريس الى ما هو ابعد من ذلك بقوله اول من امس إن ما يجري بين دمشق وتل ابيب تحت الارض هو اكثر بكثير مما يجري فوق الارض. واضاف «ان المسار السوري مهم للغاية لكن حتى الان لم تنضج بعد الظروف لتوقيع اتفاق سلام مع دمشق»، لكن ليس ثمة ما يؤكد ما يقوله بيريس.
وكانت مصادر اسرائيلية اخرى قد ذكرت ان أولمرت تبادل الرسائل مع حكومة الرئيس بشار الأسد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أي قبل وبعد غارة 6 سبتمبر الجوية الاسرائيلية على ما يقول الخبراء انه موقع برنامج نووي، حسب ما قال مسؤولون اسرائيليون وأميركيون.
في السابق جرى الحديث عن وساطات تركية والمانية، والان وكما ذكرت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية فان روسيا دخلت على الخط ممثلة بنائب وزير خارجيتها ألكساندر سلطانوف. وحسب الصحيفة فان سلطانوف يعمل على إعداد خطة تمنح سورية السيادة على مرتفعات الجولان بينما تسمح لاسرائيل بالتصرف وفق عقد ايجار بعيد المدى بهذه المنطقة الاستراتيجية. وقال تقرير «معاريف» ان سلطانوف كان قد زار دمشق مرتين في الأسابيع الأخيرة لاجراء محادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد وانه نقل رسائل الى رئيس الوزراء الاسرائيلي يهود اولمرت ووزير الدفاع يهود باراك. ووفق «معاريف» فان زيارة اولمرت القصيرة الى موسكو للقاء بوتين في وقت مبكر من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري مرتبطة بمحادثات سلطانوف. غير ان مصادر سورية مطلعة نفت نفيا قاطعا ما تناقلته الصحف الاسرائيلية حول ان يكون المبعوث الروسي قد اقترح مع القيادة السورية اقتراحا حول تأجير الجولان مقابل السيادة السورية الكاملة. وقالت المصادر لـ«الشرق الاوسط» ان سلطانوف لم يخض في هذه التفاصيل لدى لقائه الرئيس الاسد.
وحسب المصادر فان زيارة سلطانوف الاخيرة الى دمشق جاءت في إطار البحث عن مخرج لأزمة الرئاسة في لبنان اضافة الى حث دمشق على حضور مؤتمر انابوليس. وناقش سلطانوف ايضا اقتراح عقد مؤتمر في موسكو يكون متمما لأنابوليس ويتناول المفاوضات على المسارين السوري واللبناني.
وقالت المصادر المطلعة ان الآلية التي طالبت بها سورية هي ان يكون انابوليس قاعدة للانطلاق الى ما بعده على المسار السوري، عبر مفاوضات تجري في موسكو بناء على الاقتراح الروسي.
وبالفعل تعتزم روسيا والولايات المتحدة عقد مؤتمر سلام ثان في موسكو أوائل عام 2008، وثمة حديث عن عقده إما في فبراير (شباط) او مارس (اذار) 2008 المقبلين أي قبل انعقاد القمة العربية في دمشق في نهاية مارس المقبل. واكد انعقاد المؤتمر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تصريح لصحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية اول من امس.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» امس ان الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على عقد مؤتمر في موسكو، وانه سيكون فرصة لمفاوضات مباشرة بين سورية واسرائيل. ونقلت الصحيفة على لسان فيصل مقداد، نائب وزير خارجية سورية، قوله: «نأمل ان نواصل المسار السوري الاسرائيلي في موسكو». وقال ايهود اولمرت، رئيس وزراء اسرائيل، في مقابلة مع صحافيين اميركيين في واشنطن، ان اسرائيل لا ترفض التفاوض مع سورية، على شرط «أن تحسن سورية سلوكها»، اشارة الى تأييدها لحزب الله الذي تعتبره اسرائيل منظمة ارهابية، والى ايوائها لمنظمات فلسطينية تعتبرها اسرائيل ارهابية ايضا. وحسب اولمرت «لم تصل التطورات الى نقطة بداية حوار حقيقي. ويعرف السوريون معرفة جيدة ما اقول».
ووزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، الذي عقد جلسة مفاوضات مع وزير الخارحية السوري فاروق الشرع في عام 1999 برعاية الرئيس السابق بيل كلينتون، أكثر حماسا لاستئناف المحادثات مع سورية، وفقا لما قاله مسؤولون ومبعوثون اميركيون سابقون. وقال مارتن انديك السفير الاميركي الاسبق لدى اسرائيل، الذي يترأس الآن مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنغز، إن «باراك يرى المزية الاستراتيجية مقابل ايران والتعامل مع حكومة يمكن أن تقدم على العكس من السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع». ويرى محللون ان المسار السوري ـ الاسرائيلي قد يكون أيسر حلا من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، لأنه مقتصر على قضية واحدة هي مرتفعات الجولان. وكان آخر مسعى للسلام في عهد ادارة كلينتون عام 2000 قد حقق تقدما في ما يتعلق بالهيمنة على الأرض. وقال انديك ان «المفارقة هي أن عملية هدفها تحريك المسار الفلسطيني الاسرائيلي يحتمل ان تحرك المحادثات بين سورية واسرائيل، واذا ما تعين على المرء ان يحكم على مدى نجاح أي من العمليتين فان ذلك سيكون المسار السوري».
وتواصل الولايات المتحدة العمل الهادئ مع روسيا على تكملة لمؤتمر أنابوليس وفقا لما قاله مسؤول رفيع في وزارة الخارجية أول من أمس، مشيرا الى ان الأجندة تبقى غير واضحة. فقد اقترحت روسيا لقاءات للخبراء في موسكو قبل ان يبدأ عمل المؤتمر المقبل حول العقبات أمام عملية السلام الشامل، حسب ما قال مسؤولون روس وأوروبيون.
ولكن ادارة بوش تأمل في أن العملية التي بدأت في أنابوليس ستؤدي الى مسعى أكبر. وقال شين ماكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية يوم أول من امس «ان اعتقادنا هو انه اذا ما تمكنت الأطراف من تحقيق تقدم على المسار الاسرائيلي الفلسطيني فان ذلك يمكن أن يؤدي الى آفاق على المسارات الأخرى. وسنحاول تشجيع الأطراف في الجانبين، أي الجانب العربي وكذلك الجانب الاسرائيلي، على الاستفادة من اي امكانيات يرونها هناك. وسيكون الأمر متروكا لهم الى حد كبير ليقرروا أي نوع من الطاقة يكرسونه من اجل ذلك».
ورحب روب ماكنتيرف، متحدث باسم الخارجية الاميركية، لـ«الشرق الاوسط» بالاخبار التي قالت ان مؤتمرا عن الشرق الاوسط سيعقد في موسكو، في بداية السنة، لمواصلة مفاوضات مؤتمر انابوليس. وقال: «نحن نرحب بأي اجتماع يدفع عملية السلام في الشرق الاوسط». واضاف ماكنتيرف أن موسكو هي التي اقترحت المؤتمر، لكنه لا يعرف ما اذا كان ذلك حدث قبل او خلال انابوليس. وعن احتمالات مفاوضات مباشرة بين سورية واسرائيل خلال مؤتمر موسكو، قال ماكنتيرف إن الولايات المتحدة ترحب بكل ما يحقق السلام في الشرق الاوسط. لكنه قال ان واشنطن «تركز على المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين لحل المشكلة الرئيسية. وان مؤتمر انابوليس كان اسرائيليا فلسطينيا في المرتبة الاولى. وستواصل جهودها لتحقيق هدف دولتين: اسرائيلية وفلسطينية، جنبا الى جنب. وتأتي، بعد ذلك، القضايا الاخرى».