الحبيب المجهول
شيء عجيب يحدث لهولاء الذين تشف نفوسهم علي روي لا يراها الا هم, فهم من فرط حساسيتهم وتعلق ارواحهم باشياء خياليه او مجهوله, يقومون بتوهم الحبيب اذا عز عليهم وجود الحبيب الفعلي, فهم يعيشون والحب يحيط بهم من كل جانب, لانهم يحبون الحب ويرون انه اكسير الحياه ولا يستطيعون ان يعيشوا بدونه, فهم يسهدون ويشردون تفكيرا في شخص حددوا له الملمح لكنهم لم يروه راي العين, انه الحبيب المنتظر, فبعض المحبين الذين شفت نفوسهم وبعض الذين سبق ان تذوقوا الحب يتخيلون حبيبا غير موجود لكنهم واثقون من وجوده مستقبلا, وشعارهم( انني انتزع الرقه من فم الزمان المرير), لانهم لا يستطيعون ان يعيشوا بدون حب فاذا لم يكن هناك حب فعلي تخيلوها وعاشوا فيها وتلك حاله السرحان التي يلاحظها الاخرون, فهي نظره من عقب الحياه الي المجهول الذي يعيش فيه الحبيب المجهول, فهم يقولون مين انت؟.. معرفش.. فين انت؟! ما اعرفش امتي وفين الاقيك؟.. فهم لا يعرفون له مكانا ولا زمانا, انما هو حبيب هلامي يتشكل بالخيال والتصور, وتلك اعلي مراتب الشفافيه ولايمكن ان يشعر بذلك شخص لم يحب او يتخذ من الحب ماده للسخريه, فاولئك الذين قدت قلوبهم من صخر فليسوا مهيئين للحب وليسوا رومانسيين ليعرفوا ما الحب والشخص الرومانسي له رنين يسمعه مثله فيحس بوجوده ويتعرف عليه. والحبيب المجهول حبيب مريح فيروح ويغدو وفقا لمشيئه الذي يحب, ولا يغضب المحب, لذلك كان كثير من المحبين الذين خلقوا بطبيعتهم رومانسيين كثيرا ما يلوذون بهذا الحبيب ليبتعدوا عن الماسي والفواجع والالتياع الذي يقابله المحب واحيانا ما يقول المحب من انت اللي بتشاغل احلام شبابي من قبل ما اشوفك, ويقول له من كثر فكري معاك اغير عليك منه واداري.. خايف يكون لي شريك في هواك.. حتي ولو كان افكاري, فهو يتساءل اين الحبيب الذي يشاغله دائما ويمتطي صهوه تفكيره ويعطيه عصاره قلبه, فمن كثر فكره معها يغار من الفكر نفسه كانه عزول يستحوذ علي الحبيب من دونه, فيقول له من كتر فكري معاك اغير عليك منه واداري.. خايف يكون لي شريك في هواك حتي ولو كان افكاري قمه التصوف وقمه الحب وقمه التوحد في صوره الحبيب, لكن الناس يضعون هذا المحب موضع السخريه اللاذعه لانه قد لا يجيد الكلام لانه مشغول باطلاله جميله من شرفه الحياه علي الحبيب, فيراه كما يحب ان يراه ويعيش احلي ايامه ممزوجا بالخيال والتطلعات غير المرئيه, وحينما يكتب شاعر في مثل هذا الكلام فانه يدري او لا يدري انه يكتب قصيده يجتمع فيها الغزل الصوفي الفلسفي النابع من قاع القلب . ورحمه الله علي هذا الشاعر حسين السيد, الذي كان بديعا ورائعا في تصور هذا الخيال الذي تغني به عبدالوهاب فاطرب واشجي المستمع المدرك لابعاد الاغنيه, ومثل هذه الاغنيه لا مثيل لها بين اغنيات هذا العصر ولا العصر السابق, فهي دراسه علميه عاطفيه لفحوي الحب وتطوراته حتي يصل الي مرحله الشفافيه, والغريب ان الذي يحب بهذه الطريقه يتهم بانه يكره النساء لان قلبه متعلق بالحبيب المجهول, ولا يقبل ان يسمع واحده عن شخص اخر ودائما هو غارق في لجه تفكير, تسيل الدموع علي وجنتيه حتي ل تكاد ماقيه تحترق من فرط لهاب الاشتياق لهذا الحبيب المجهول, هولاء الناس الذين يتخيلون المحبين هم اسعد الناس لانهم يعيشون بلا مشكلات وهم لا يميلون الي الجسد ولا الي توابعه, انما يتعلقون بصوره الحبيب الغائب ويكثر السهاد علي صدورهم حين ياوون الي الفراش او يجلسون وسط صحبه, او يجلسون لتناول الطعام, فالحبيب المجهول يتصرف امامهم, هم يرونه كانه موجود بالفعل ويتتبعونه بينما الاخرون ينظرون اليه في دهشه ويتساءلون ما الذي اصابهم, كل ما هنالك ان قلوبهم تحررت وان ارواحهم شفت وان فكرهم قد تشتت وانهم انفصلوا عن هذا المجتمع بكل ما فيه من متاعب, انها حياه رائعه تلك التي لا يشعر فيها الانسان الا بما يتخيل ان خيرا فخير وان شرا فشر, كم من عليل اصابه السهد وحاول ان ينام دون ان يعرف فالحبيب رابض في خياله ويقلبه دون ان يدري والحبيب قديره فيظن من بجواره انه قد جن جنونه واصبح يكلم نفسه لكنه ليس جنونه وانما يقظه روح ووجيب قلب وصدي انه تتردد في الروح تهتف بالحب فتهتز وترتجف وتصل مثل الماس الكهربائي الي شفتيه وعينيه فشفتاه مرتعشتان, وعيناه دامعتان دون ان يري شيئا يودي الي ذلك وانما يتخيل انه مع الحبيب المجهول يشرب نخب الحب لائذا بالصمت امام الناس, معبرا بالصوت امام الحبيب المجهول الذي مرق امام عينيه مره ومرات مثل سهام خاطفه تهزه من الاعماق وتجعله يهتف بالانين والحنين مين انت ياللي بتشاغل ايام شبابي بنور طيفك..
نقطه عطر لا تقولي من انت فقد رايتك قبل ان اراك, حلما استدعيه كل ليله, فلما عز علي المنام واصبح يصاحبني في تجوالي وروائح العطر تفوح منه, ولا يتركني لحظه وبعد ذلك تسالين من انت؟ انك الحب الذي اكتب عنه ولا اراه