من المعروف أن العمليات الحسية والحركية في الجسم تقوم بها الموصلات العصبية neuro transmitters وأن نسبة هذه الموصلات أو المرسلات الكيميائية في الجهاز العصبي المركزي تحدد مزاج الشخص حيث نجد أن عمل بعض الأدوية المضادة للاكتئاب هوزيادة تركيز مجموعة من الموصلات العصبية تدعي الأمينات الأحادية monoamines وتحتوي بعض الأغذية أيضا علي مواد كيميائية تستطيع تغيير نسبة وتوازن هذه المرسلات ممايؤدي الي الشعوربالهدوء والنعاس بينما يسبب البعض الآخر زيادة في النشاط.
وقدثبت أن موصلات الدماغ المسماه بالسيروتونين serotonin مرتبط بالشعور بالنوم والاحساس بالتعب وزيادة عتبة الألم وتثبيط الشهية وأن زيادة تكوين السيروتونين في الدماغ هومحصلة لزيادة معدل نقل الحمض الأميني تربتوفان tryptophan الي الدماغ أقول زيادة معدل نقل وليس زيادة تناول اذ أن هناك فرق شاسع بين المعنيين ويعد التربتوفان مادة أولية ضرورية لتصنيع السيروتونين في الدماغ الأمر الذي جعلنا نعتقد لسنوات أن زيادة تناول الأغذية الغنية بالحامض الأميني التربتوفان مثل اللحم والبيض والحليب يؤدي الي النعاس والنوم وشاعت مقولة أن تناول كوب من الحليب يساعد علي النوم وهو استنتاج منطقي من الناحية النظرية لكن نتائج الأبحاث العلمية أثبتت عدم تطابق هذا القول مع الواقع ونظرية التربتوفان رغم أنها صالحة لاثبات أن للغذاء دورا في التأثير علي مزاج الشخص وتمكنت من تفسيرظاهرة التعب المركزي الذي يحدث للرياضيين نتيجة تأثر معدل نقل الحامض الأميني تربتوفان بالمجهود البدني الا أنها فشلت في تفسير وفك لغز الشعور بالنوم عقب تناول الوجبات الغذائية ولم تصمد أمام الأدلة العلمية فقد اثبتت الأبحاث التي اجريت علي كيفية انتقال الحامض الأميني تربتوفان الي الدماغ عبر الحاجز الدموي الدماغي Blood brain barrier أن العملية ليست بالبساطة التي كنا نتصورها فقد وجد انه عندما يتناول الانسان تلك الأغذية الغنية بالبروتينات فان الأحماض الأمينية الأخري وخاصة ذات السلسلة المتفرعة Branched chain aminoacid مثل الليوسين والفالين والأيزوليوسين تنافس التربتوفان في عبور الحاجز الدموي الدماغي فتقلل من مرور التربتوفان الي الدماغ اضافة الي ارتباط هذا الحامض بالأمين المتوف ايضا في الأغذية البروتينية .معني هذا أن تناول الأغذية البروتينية علي عكس الاعتقاد السائد تقلل من تكون السيروتونين في الدماغ نتيجة لمقاومتها لعبور وانتقال التربتوفان الي المخ وهكذا تفشل نظرية التربتوفان في الاجابة علي السؤال لماذا نشعر بالنعاس عند تناول الطعام؟
وللاجابة علي هذا السؤال هناك رأيان لكشف الغموض الذي يكتنف عملية النوم عقب تناول الطعام .
الرأي الأول :
هو أن عملية النعاس والنوم تحدث بعد تناول الوجبات الكبيره بصرف النظرعن مكونات الوجة سواء كانت عالية البروتين أو الدهون أو الكربوهيدرات لأنه عندما تمتلئ المعدة بالطعام فان الجسم يحتاج الي طاقة للهضم والامتصاص ويركزكل جهده علي هذه العملية كما يحتاج الجهاز الهضمي الي امدادات هائلة من الدم لاتمام العملية ولتوفير هذه الكمية من الدم فان وجود الغذاء في المعده يحفز الجهاز العصبي اللاودي Parasympathetic nervous system وهي مجموعة من الأعصاب توصل أعضاء مختلفة من الجسم بالمخ مثل القلب والأوعية الدموية خاصة تلك التابعة للجهاز الهضمي.وعند تحفيز هذا العصب فانه يحث الجسم علي الراحة للقيام بعملية الهضم فيقل معدل ضربات القلب ويقل معدل التنفس ويقل معدل تدفق الدم للقلب ويرسل المخ والعضلات كميات كبيره من الدم الي الأوعية الدموية الخاصة بالجهاز الهضمي وهذه العملية مجتمعة تؤدي في النهاية الي النوم.
الرأي الثاني :
ان زيادة مستوي الجلوكوز في الدم مثلما يحدث عقب تناول الوجات الكبيرة يعمل علي تثبيط مركز اليقظة في المخ reticular activating system R.A.S
ويقول البروفوسوردنس بورداكوف Denis burdakoveمن جامعة مانشستر في المملكة المتحدة الذي قاد عملية البحث لقد بات معروفا لفترة طويلة أن الانسان والحيوانات الأخري تنام وتكون أقل نشاطا بعد الأكل لكن لم تكن هذه الظاهرة معروفة الأسباب أما الآن فقد تكشفت الأسباب بعد أن قام بورداكوف وفريقه بدراسة مجموعة من خلايا المخ العصبية تدعي الأوروكسين نيورونز Orexin neurons الموجودة في الهيبوثلاموسhypothalamus وتنتج بروتينات يدعي الأوريكسين
Orexins التي تلعب دورا مهما في عملية اليقضة للانسان هذه الخلايا العصبية تكون غير نشطه في الليل وعند وجود خلل فيها فان الانسان يصاب بمرض النوم العميق narcolepsy وفي الآونة الأخيرة أثبتت الأبحاث أن هذه الخلايا العصبيةOrexin neurons يمكن أن تثبط بالجلوكوز وكشف بورداكوف وفريقه أن هذه الخلايا الأيروكسينية تتأثر بمستوي الجلوكوز بالدم واستطاعوقياس هذا المقدار من التأثر وأثبتو أن الارتفاع البسيط في مستوي سكر الدم بعد الوجبات الغذائية يمكن أن يعطل عمل هذه الخلايا وهذا مايفسر النوم عقب الأكل مباشرة وكذلك يفسر لماذا لانستطيع النوم عندما نكون جائعين لأن نشاط هذه الخلايا يرتفع عند المستويات المنخفظة من الجلوكوز.
ويقول جويل المكويست Joel elmquist من جامعة تكساس المركز الطبي في دلاس ان الخلايا الايروكسينية تتحكم في عمل العديد من عمليات الجهاز العصبي المركزي عن طريق حساسيتها العالية وقدرتها علي قياس مستوي الجلوكوز في الدم ذلك لأن كل العمليات الفسيولوجية يتم برمجتها بناءا علي مستويات الطاقة المتوفرة .
ومن ذلك يتضح أن الأغذية البروتينية التي كنا نعتقد انها تجلب النوم نتيجة لاحتوائها علي التربتوفان تقلل من عبور التربتوفان للدماغ وتزيد مستويات النورباين فيربن والدوبامين مما يزيد النشاط بينما تعمل الأغذية الغنية بالكربوهيدرات والسكريات مثل الأرز والبطاطا علي تثبيط مركز النشاط واليقظه مما يؤدي الي النعاس وهو عكس ماكنا نعتقد