: أقيم في العاصمة البريطانية لندن مهرجان للفيلم الكردي للفترة من الثلاثين من تشرين الثاني وحتى السادس من كانون الأول، وضم المهرجان عدداً من الأفلام الروائية والوثائقية، وتنافست على جوائز المهرجان الثلاث التي أطلق عليها جائزة يلماز كوني، تسعة وسبعون فيلما قصيرا من مجموع واحد وثمانين فيلما قصيرا، إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم.
وعرضت في المهرجان أفلام روائية طويلة مهمة مثل أفلام عبور الغبار وجان ووادي الدفوف وفيلم بلاد الثلج و«بطاقة باص وهكذا ولدت و«تحت سقوف باريس. هذه الأفلام إضافة إلى ثمانين فيلما وثائقيا ومجموعة من الأفلام القصيرة المتنافسة على الجوائز الأربع، تشكل ما مجموعه مئة وسبعة وستين فيلما.
هذا الكم من الإنتاج الذي أفرز نوعا متميزا في القيمة الفكرية والفنية السينمائية يدلل على نهوض جديد في السينما الكردية، ويمكن من خلال هذا المهرجان دراسة الهوية الفنية للفيلم الكردي والمتمثلة في طبيعة الفيلم وموضوعاته، كون الشعب الكردي يعيش في ظروف متباينة فهو ضمن المجتمع التركي متأثراً بوسائل الإنتاج السينمائية التركية وضمن المجتمع الإيراني متأثراً بظروف إنتاج السينما الإيرانية وضمن واقع المجتمع العراقي واستقرار إقليم كردستان ينشئ بالضرورة ظروف إنتاج سينمائية مختلفة، كما يعيش الشعب الكردي والفنان الكردي في بلدان أوروبا وأميركا ويتأثر بالضرورة أيضا مكانيا واجتماعيا وإنتاجيا بهذا الواقع.
لكن من خلال عروض الأفلام يكاد المتلقي والمتابع للعملية السينمائية المتفردة في خصوصيتها أن يلمس وحدة الرؤية للقضية الكردية لتشكل ملامح الفيلم الكردي. المسألة ليست هينة أن تنشأ سينما كردية في مواقع يتوزع فيها شعب ومبدعون سينمائيون. فتجارب الشبيهة للشعوب التي لم تحصل على استقلالها في الماضي كانت السينما ضئيلة الإنتاج ومتباينة الهوية الفنية والإنتاجية.
وكان من الصعب فرز تلك السينما كسينما متميزة لهذا الشعب أو ذاك. لكن السينما الكردية ومن خلال قراءة واعية ومنتبهة للأفلام التي قدمها المهرجان الخامس للسينما الكردية، ميزت بالخصوصية، وبالتأكيد فإن طبيعة المجتمع الكردي وشعوره بالحيف الذي لحق به عبر التأريخ، ينعكس بالضرورة على طبيعة ثقافته وهوية وشكل تلك الثقافة.
وتناولت الأفلام الكردية موضوعات تنوعت بين مشكلات المجابهة مع الديكتاتور، أو كشف الحالات الإنسانية التي نشأت بعد حرب عام 2003، أو مشاكل الحدود المختلفة الأشكال والأمزجة، معاناة القرى الجبلية على الحدود ومعاناة الكرد في شتات العالم.. هذه المشكلات والرؤى الواعية للمبدعين إزاء هذا الواقع تفرز بالضرورة أفكارا وأشكالا سينمائية تشكل بمجموعها ملامح السينما الكوردية.
إذا ما نظرنا إلى تأريخ السينما العربية وإذا ما استثنينا السينما المصرية في كم إنتاجها السينمائي، فإن السينما الكردية تفوقت ومن خلال مهرجانها الخامس في بريطانيا على السينما في البلدان العربية، وكشفت ليس عن كمّ الإنتاج السينمائي الكردي فحسب، بل أيضا عن نوع هذه الأفلام وتطور أشكالها التعبيرية والفنية الجمالية والفنية التقنية.
ففي مجال الفيلم الروائي يبرز فيلم «بور الغبار» للمخرج شوكت أمين كركي، في بنائه وفي أدائه التمثيلي وفي كاميرته، مع أن العرض في صالة المهرجان هو أقل من نظامي ربما بسبب طبيعة النسخة المعروضة، لكنها كانت مقبولة فنيا مع أنها دون المستوى القياسي لشكل العرض السينمائي، وهذا ينسحب على أغلب الأفلام، لكن بعض النسخ كانت بنوعية عالية من الجودة ما ساعد على عرض قريب من نظامية شكل العرض السينمائي.
كما برز فيلم بلاد الثلج للمخرج هشام زمان الذي تحدث عن معاناة كردي وزوجته في منطقة نائية من بلاد النرويج. ومع الملاحظات على فيلم «ادي الدفوف»، إلا أنه حاول أن يخرج عن المألوف في لغة السينما التعبيرية مستخدما كوادر ذات قيم تشكيلية أقرب إلى الفوتوغراف منها إلى السينما، وبصيغة أداء أقرب إلى المسرحية منها إلى السينمائية.
أما فيلم «جان» من إخراج الكردي (آلا داك)، فإنه يندرج ضمن صناعة السينما الغربية المتسمة بدقة العمل ونظاميته الإنتاجية والفنية. لقد حاول المخرج أن يكشف العلاقة بين العائلات الألمانية والجاليات التي تعيش في ألمانيا، واختار شخصية تركية، هي شخصية جان التي تعمل على تدمير عائلة ألمانية من خلال علاقة التركي بابن العائلة الألماني. الفيلم ذو حبكة سينمائية عالية المستوى ومعمول بظروف إنتاجية نظامية في الغرب.
إن مواصلة إنتاج الأفلام السينمائية ودور وزارة الثقافة في إقليم كردستان العراق يمنحان السينمائيين فرصة للإنتاج كماً ونوعاً، لأن بلورة صناعة السينما وإبداع السينمائيين يسهمان في بلورة الهوية الثقافية والوطنية للشعب الكردي. فالبلدان النامية أو بلدان الشرق الأوسط وعبر تأريخها لم تكن تريد للسينما أن تتطور