فيلسوف اغريقي يعتبر اعظم الفلاسفة الاقدمين دون منازع ، وكانت اعماله هي الشرارة الأولى التي اشعلت جميع المسائل والأفكار الفلسفية في العالم الغربي حتى اليوم ، وكانت أيضا الحافز الأول لظهور علم النفس والمنطق والسياسة ، و قد خلفت تلك الأعمال تأثيرات عميقة على الحياة العلمية في مختلف عصور التاريخ.َ
ولد افلاطون في اثينا عام 428 قبل الميلاد ، وكانت عائلته من صفوة أهالي أثينا في ذلك الوقت ، كما كان زوج أمه، بعد وفاة أبيه ، من مساعدي حاكم أثينا ( بركليس ) المشاركين في السياسة والزراعة . ولكن افلاطون بدا منذ صغره مبتعدا عن الحياة السياسية ، ومنعدم الطموح في الحصول على المراكز الادارية المرموقة . وقد كان لأعدام استاذه سقراط من قبل السلطة أثر كبير في نفسه ، خصوصا وأن سقراط كان من اصدقاء عائلته ، وقد انعكس ذلك الأثر بشكل واضح في كتاباته . بعد موت سقراط اعتزل افلاطون الحياة العامة في أثينا ، وخرج منها مرتحلا لعدة سنوات ، وفي عام 388 قبل الميلاد سافر الى ايطاليا وصقلية وتصادق مع حاكمها ، ثم عاد بعد عام الى أثينا وأسس فيها مدرسته التي أسماها ( الأكاديمية ) ، وهي معهد كرس لأعمال البحث العلمي ، وتدريس الفلسفة والعلوم . وقد قضى افلاطون معظم حياته في هذا المعهد مدرسا ، ومشرفا على نشاطاته حتى توفي عام 348 قبل الميلاد وهو في الثمانين من عمره . َ
وجميع أعمال افلاطون المكتوبة ، لحسن الحظ ، حفظت ووصلت الينا ، وهي تتألف من 26 عملا على شكل حوارات درامية حول الفلسفة وما يتعلق بها من أفكار . وقد سميت بالحوارات لأنها تأتي على شكل حوار أو مناقشة بين شخصين كما هو الحوار المتبع في القصص والمسرحيات كما في المثال التالي من كتابه ( السفسطائي ) : َ
(( ثيودورس : هانحن هنا الآن يا سقراط كما اتفقنا بالأمس ، ومعنا هذا الغريب من ايليا وهو فيلسوف حقيقي من تلامذة بارميندس و زينو . َ
سقراط : أرجو ألا يكون إله يا ثيودورس أتى إلينا متنكرا في هيئة غريب ، وكما قال هوميروس فإن جميع الآلهة ، وخصوصا آلهة الغرباء هم رفاق في الحلم والعدل ، ويزورون الأخيار والأشرار من البشر ، وعسى ألا يكون رفيقك هذا أحد أولئك المتسلطين الذي أتى لاختبارنا وتقييم مدى ضعفنا في الجدال . َ
ثيودورس : أبدا يا سقراط ، إنه ليس من ذاك النوع ، بل هو أنبل من أن يكون منهم ، وهو ليس إله على الاطلاق ، ولكنه إنسان مقدس ، وهذه هي الصفة التي سوف أطلقها على جميع الفلاسفة )) . َ
و شخصية سقراط هي الشخصية الرئيسية في جميع تلك الحوارات ما عدا القليل منها . ويجمع النقاد على أن حوارات افلاطون هي من الروائع الأدبية التي تضع افلاطون في مرتبة سيد الأدباء الاغريق . َ
ومن الصعب وضع ترتيب زمني لحوارات افلاطون ، ولكن اختلاف الأسلوب والافكار فيها جعل من الممكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام هي : الحوارات المتقدمة ، والحوارات الوسطى ، والحوارات المتأخرة .َ
1 - الحوارات المتقدمة : وهي باكورة انتاجه وقد وضعها بعد عام 399 قبل الميلاد ، وهي عبارة عن ملاحظاته التي سجلها عن حياة وتعاليم أستاذه سقراط . ففي الحوارات الثلاثة الأولى يصف افلاطون محنة سقراط مباشرة قبل وأثناء وبعد المحاكمة . وفي حوارات أخرى قصيرة من هذه الفترة هناك سلسلة من المسائل لا تنتهي بحلول قاطعة . وتتميز تلك الحوارات بأسئلة يطرحها سقراط مثل : (( ما هو المجهول ( س) )) ، ويصر على الا يكون الجواب مثالا وأنما تحديد ماهية المجهول (س) وشكله وجوهره . فلو كان السؤال مثلا (( ما هي الحمرة ؟ )) فإن كان الجواب بأنها لون من الألوان ، لن يكون مقبولا ، لأن ( الزرقة ) أيضا لون من الألوان ، فهل الحمرة تساوي الزرقة ؟. ولو كان الجواب بأن الحمرة هي لون الدم ، فهذا أيضا ليس جوابا مقبولا لأن الحمرة أيضا هي لون الوردة ، فهل الدم والوردة شيء واحد ؟ . كما طرح أيضا أسئلة أخرى مثل : (( ما هي الشجاعة ؟ )) ، (( ما هي الحرارة ؟ )) ، (( ما هي القداسة ؟ )) . أما السؤال الأهم الذي طرحه والذي أسس عليه عمله الشهير ( الجمهورية ) فكان (( ما هي العدالة ؟ )) . وعلى الرغم من أن الحوارات تنتهي دون التوصل الى إجابة قاطعة على تلك الأسئلة ، إلا أن الأسلوب الجدلي الذي اعتمد في الاجابات يبين الفكرة المقصودة بشكل شديد الوضوح . َ
2 -الحوارات المتوسطة : وهي التي بدأت مع تأسيس أفلاطون لأكاديميته ، وفيها نرى ظهور افكار ايجابية في الأحاديث الواردة على لسان سقراط . وتتضمن حوارات هذه الفترة ما يمكن اعتباره اعظم اعمال افلاطون وهي ( الجمهورية ) . وتبدأ ( الجمهورية ) بمناقشة عامة حول طبيعة العدالة ، وبوضع صيغة للمجتمع السياسي المثالي ، والتعليم المناسب لحكام هذا المجتمع . والعدالة عند افلاطون هي مبدأ لكل شيء يؤدي العمل المناسب لطبيعته ، وهي مبدأ الحكم الأنسب لكل التصرفات . وبالمعنى السياسي ، فإن هذا المبدأ يجب ان يحتضن من قبل المجتمع الذي يؤدي فيه المواطنون الأعمال المهيئين لأدائها ، ففي نفس كل فرد من هذا المجتمع يكمن هذا المبدأ ولا يمكن اكتشافه إلا إذا أدى كل فرد الوظيفة التي تتناسب مع طبيعته . وفي المجتمع ، وعند كل فرد يجب أن يكون الحكم للعقل بشرط أن يكون مقرونا بالعدالة التي ستحقق الانسجام بين الافعال و الأحكام . وإن حكم العقل ليس طغيانا ولكنه انسجام بين افراد المجتمع السعداء والمجتمع نفسه . َ
وفي حوارات هذه الفترة طور افلاطون نظرية ( الشكل ) أو ( الهيئة ) المتعلقة بالأمور الطبيعية . ويفسر افلاطون الشكل بأنه المبدأ الذي يشرح كون الشيء شيئا ، وكيف يكون الشيء شيئا ، وما هي المتطلبات التي يجب أن تتوفر لكي تتضح معالم الأشياء . و الشكل الخير أو الصحيح يتمتع بميزة فريدة تجعل منه مسؤولا عن الوجود وعن فهم العالم بشكل واضح . كما تتناول أعمال هذه الفترة تفسير ( الفهم ) نفسه بأنه الحكم على وجود الشيء بشكل حقيقي وواقعي وليس بأخذ فكرة عابرة عنه . وتتناول هذه الأعمال أيضا الحب والموت ، فالحب هو انجذاب خلاق نحو الجمال والخير ، والموت هو انفصال الروح عن الجسد . َ
3 - الحوارات المتأخرة : وهي التي كتبها بعد عودته من سراقوزا ( صقلية ) ، ونرى فيها شخصية سقراط تتراجع الى الخلف ، لتظهر شخصيات أخرى جديدة كما في كتاب ( السوفسطائي والسياسي ) حيث تظهر شخصية زائر مجهول الاسم من مدينة ( إيليا ) . ويبين السوفسطائي ، أي المنظر ، كيف أن الفهم المناسب لمظهر الشيء يعتمد على كون الشيء موجودا أو غير موجود ، وعلى العلاقة بين الجزئيات والأشكال الكاملة . وتتضمن حوارات هذه الفترة أيضا كتابا عن أصل وطبيعة الكون ، وكتابا عن موقع المتعة في الحياة السعيدة ، كما تتضمن أيضا كتاب ( الشرائع ) الذي يعتبر أطول وآخر اعمال افلاطون ، وفيه يضع أسس إنشاء المدينة الفاضلة . َ
وتتركز عقيدة افلاطون بشكل عام حول فكرة ( العقل ) بأنه القوة القادرة على كشف المفهوم والنظام اللذان يحكمان العالم المتغير المظاهر ، وعلى خلق الحياة المنسجمة السعيدة بين الحكومة والشعب . وبينما كانت نظرة سقراط بأن الفضيلة هي شكل من أشكال الفهم ، وأن المعرفة هي السبيل الى الحياة السعيدة ، فإن نظرة افلاطون هي أن التعليم الفلسفي يجب أن يهدف الى خلق الانسجام بين العقل والعاطفة ، وان الحياة السعيدة هي التي يكون فيها الانسان سيد نفسه والتي يحكم العقل فيها ارادته لا كشيء دخيل عليها وإنما كدليل ومصدر طبيعي يهدي ويغذي تلك الارداة .َ
وبعد وفاة افلاطون استمرت تعاليمه سائدة لعدة قرون . وبعد اغلاق الاكاديمية ظهرت الافلاطونية المحدثة التي لاقت رواجا في العهد البيزنطي والاسلامي كما انها كانت العامل الفكري المسيطر في الفلسفة اللاتينية خلال العصور الوسطى ، ولا شك كان لها أثر كبير على الفلسفة الحديثة . كما شهد القرنين 19 و20 ظهور نزعات اوربية - امريكية قوية نحو الفلسفة الافلاطونية.