بعد تضامننا .. وتعايشنا الأخوي والنضالي , مع نضال الشعب الكردي ألمضطهد , عن قرب , في سبيل حقوقه المشروعة , في كل من سورية والعراق وتركيا , وشعورنا باعتزاز مشاركة المرأة الكرديّة في جميع هذه النضالات السلميّة , والمسلّحة , يسرّني أن أقدّم وأنقل بعض من تجربة المرأة الكردية الرائدة المجيد , رغم المصادر النادرة في هذا الموضوع في غربتنا , باستثناء بعض كتابات قليلة .. وحديثة من مناضلات , وكاتبات كرديّات ك ( فينوس فائق حسن , كجال إبراهيم , كجال أحمد , شيرين كا , دلسوز حمة , لافا ... , ) والكثير من كاتبات الحوار المتمدّن والصحفيّات والشاعرات والمناضلاات في دول الإغتراب وغيرهن كثيرات ..
يسرّني اليوم أن أقدّم قراءة في كتاب : ( سمات المرأة الكرديّة في التراث الأدبي الكردي ) ..
اليوم سنزور العراق .. لنتعرّف على المرأة الكردية هناك , من خلال التراث الأدبي الكردي , وصفات وخصائص المرأة الكرديّة بشكل عام أينما كانت , تنقلها لنا هذه اللوحة الزاهية الأديبة الكرديّة سرفراز علي النقشبندي .
ولدت الكاتبة في بامرني - محافظة دهوك - ( شمال غرب العراق ) .
من أعمالها الأدبيّة المطبوعة : 1 -
دلّيني - نصوص فلكلوريّة , باللغة الكرديّة 1986 أربيل .
2 - نه ز ه بوم تونه - مجموعة قصصيّة باللغة الكرديّة 1986 أربيل .
- 3 رواية بعنوان : لغم في الأحشاء - باللغة العربية دمشق 1997 .
دراسات وبحوث منشورة في المجلاّت العربية والكرديّة .
تعيش حاليّا في برلين - ومستمرّة في الكتابة .
الكاتبة المبدعة سرفراز .. مولعة بالفلكلوروالتراث( كما هو الحال عند كاتبة الموضوع ) - منذ صغرها , وكلّ ما تكتبه مطعّم بالفلكلور . وكل كتابة بدون العودة إلى التراث تكون شجرة مقطوعة الجذور , ولا يمكن أن تزهر وتعيش , كما تعبّر بأجمل الكلمات :
أفتخر كوني قد ترعرعت في أحضان مملؤة بعشق تراث أمّتي , ولا أقدر أن أتصوّر نفسي كيف كنت سأكون لولاه ... ؟ !!
أهمّ الأبحاث الذي يشملها الكتاب :
مكانة المرأة الكرديّة
التحلّي بصفة الوفاء والشجاعة والجرأة
الزواج والحبّ وحريّة الإختيار
المرأة الكوردية كزوجة وربة بيت
ظاهرة الخطف وأسبابها
العفّة والحياء عند المرأة الكوردية
عدم التحجّب وعدم الجلوس في الحريم
صيانة الشرف وعدم تسرّب الخيانة
أسباب عدم وجود البغاء وظاهرة سبي النساء
المقاتلة والقياديّة ودورها في الملاحم القتاليّة .
بداية .. تعرّف الكاتبة التراث والفلكلور القومي وأهميته لمعرفة الواقع الإجتماعي ودراسته بمنهج علمي , وهذه خطوة لا بد منها لمعرفة الواقع النفسي والإجتماعي للمجتمع الكردي وخاصة المرأة موضوع البحث .
فالمرأة تصلح أن تكون رمزا للبيئة التي تعيش فيها من حيث أنها تستقطب بحساسيّتها الشديدة واتزانها العاطفي التقاليد بجميع عناصرها , كما يراها المازني : " المرأة أكثر تمثيلا للنوعيّة من اللرجل " .
إن وجود المرأة في التراث يتعدّى وجودها الفردي , لتعبّر عن حقائق أبعد من هذا الوجود .. , ولم يرد نص فلكلوري إلاّ وأثار المرأة فيه بادية , سواء كانت اّثار فعلية باشتراكها في الصياغة والسرد والتغنّي , أو كأن تكون بطلة في النصّ ..
فلا تخلو الملامح القتالية والحوارات الإلهية والأساطير وسير الرجال من ذكر المرأة , عدا الأعمال اليدوية والصناعات الفلكلورية التي تبدع فيها المرأة .
وعندما تتحدّث الكاتنبة عن صفات المرأة الكردية , لاتبحثه بمعزل عن تجارب الشعوب التي تربطها بها روابط الجيرة أو الدين , بما فيها من تأثر وتأثير .
يقول الباحث والكاتب فيجلو فسكي : " الكورد يملكون مادة فلكلورية غزيرة في شتّى المجالات , والأدب الكردي يعاني من التخمة الفلكلورية " .
كما أقرّ الباحث المستشرق ب . نيكتين - هذه الحقيقة , حيث خصّص الفصل الأخير من كتابه عن الكورد والأدب الشعبي .
ولكن الباحثة تقول وتعتقد بأن السبب الرئيسي في عدم تطوّر جانب البحث في التراث الكوردي بالمستوى المطلوب , يعود إلى أن أكثرية النصوص غير مدوّنة , والمدوّن منها لا يتعدّى عشر ما نملكه , رغم الزخم الحاصل حاليّا في مسألة التدوين والطبع وما تبذله المؤسّاسات الثقافية الكوردية من جهود في هذا المضمار في الوطن والمهجر .
فالتراث الكردي يتمثل فيه تراث المجتمع الزراعي والرعوي والتجاري أحيانا , وكما تقسّمه الكاتبة إلى : الأساطير , الحكايات الخرافيّة , حكاية الأطفال , الملاحم البطولية والتاريخية والقتالية , حكايات المغفّلين والأغبياء , حكايات المبالغة والكذب والمزاح , قصص الإشتراط والتحدّي قصص وملاحم الحبّ , الأغاني ) .
هناك أغاني الحلب , أغاني خضّ اللبن , أغاني الرعاة , وأغاني الماّتم والأفراح وووووالخ
وقد وصف - ميجرسون ) في رحلة متنكّرة في العراق وكوردستان المرأة الكردية قائلا : يسيطر على قلبها شعور رومانتيكي واسع " . ويقول أيضا الكاتب تومايو : ( لمحة عن الأكراد ) " .. عندما نتحدّث عن التغنّي بالطبيعة وجمالها نجد الأكراد سواسيّة " .
والمرأة الكورديّة رغم معاصرتها للحياة المدنية والأجواء الصناعيّة , إلا أنها لا تزال شغوفة بالطبيعة والشعر .. والغناء , وتظهر هذه الصفاة للعيان من خلال تنسيق بيتها وملابسها والألوان التي تختارها ..
وهذا فعلا ما لمسته , وشاهدته , حينما زرت شمال العراق , ألبسة النساء والفتيات المقصّبة والحريرية الزاهية الألوان , ووجوههن المبتسمة دوما , وهذا إن دلّ على شئ عند دراسة الألوان نفسيّا واجتماعيا يدلّ على حبّهن للطبيعة والحياة , .. حبّهن للفرح والعطاء والبساطة والوضوح والجمال , ويدل أيضا على نفسية منفتحة وغير متعصّبة ومتقوقعة أو حزينة .. وذات مضمون إنساني متحرّر .
وقلّما نجد إمرأة كردية لا تتّقن الرقص الشعبي , والدبكات الفلكلورية أينما كانت , وكيفما كانت أجواء معيشتها .. سواء كانت في عائلة محافظة أو دينيّة أو منفتحة , فقيرة أو غنيّة , متعلّمة أو أميّة .. فهي تعتبر الدبكة إرثا إجتماعيا , تتدرّب عليه منذ الطفولة .. وعادة .. تكون الدبكات الكوردية مختلطة , الرجل والمرأة يرقصان معا بحريّة .
صحيح أنّ المستشرقين وصفوا المرأة الكوردية وصفا دقيقا ,ومعبّرا من خلال دراستهم التاريخية والسياسية للمجتمع الكوردي .. , ولا شك أن لكل شعب مميزاته , وقد يقدر الأجنبي أن يتعرّف على إطارها العام غير أن الشعب نفسه والنموذج المعنى بالدراسة والتي هي المرأة تقدر أن تدلّنا على الأبعاد والخبايا بشكل أدقّ وأصدق حيث نرى كيف تبتدئ سرفراز بإظهار حكمة المرأة في هذا الباب على لسان المرأة الكوردية نفسها حين سألها زوجها : ( ما هو أطيب شئ في الدنيا يا امرأة .. ؟
" في الصيف أنا والبستان
في الخريف أنا والغلّة
في الشتاء أنا والنار
في الربيع أنا والمرعى " .
فالمرأة ترى نفسها حقيقة ملازمة لكل فصول الحياة , ثقتها بنفسها تجعلها أن تكون أداة فعّالة في المجتمع . واعتزاز المرأة بمكانتها ليس فقط في الدار الزوجية وإنما بما تحتلّ موقعها داخل الأسرة الأبويّة حيث تقول في نص غنائي :
مدلّلة أبي أنا
جميلة , حنطيّة
وإسمي ناز
قريبة عن قلب أخي
ملكة .. وإسمي ناز .
وفي مثل اّخر : " المرأة عامود البيت " .
وفي نصّ اّخر غنائي في هذا المجال منها :
على الضفاف , على الضفال
يا أخي شاهين على الضفاف
يا لفرحة الدار الذي فيها بنات " .
لا كما تقول الأمثلة الرجعية والعنصرية المتزمّتة عندنا : " همّ البنات للممات " .. ؟؟
(سرفرازعلي النقشبندي)