حكاية فتاة كوردية مع نظام الإستبداد ، نظام آل الأسد
لم تكن إيفا داوود تعلم ما يخبئه القدر لها حين جاء نيسان بصباحاته الجميلة حاملا لها الألم والحزن والخوف، تلاشت أحلامها الصغيرة وبرائتها في ظلال المكان حيث مدرستها وقسوة الزمن حيث زمن الأسد ووحشية رجال...
...المخابرات على امتدادات الوطن السوري، ولتجد نفسها أصغر سياسية تتهم بالخيانة والتأمر ضد الدولة ورئيسها.
كل هذا لأنها شطبت إسم (بشار) عن اللوح المدرسي ولتشطب طفولتها وتاريخها وماضيها وحاضرها ومستقبلها.
بجرة قلم وتقرير أمني ولتصبح أسيرة غرف التحقيق وعفونة المحققين ونذالتهم وتصلب باكراً وتقتلع من جذورها ووطنها وأصدقائها، وتفتح عينيها لتجد أنها أصبحت تعيش المنافي وتنتظر على الرصيف أن يلمها وطن آخر قد يعيد لها طفولتها وأحلامها ومستقبلها.
في بيروت إلتقينا بإيفا داوود رغم أن الحديث كان معها مؤلما جدا في طقوس من اللوعة والبكائيات :
*** إيفا ماهي حكايتك من البداية ؟
في نيسان 2004 فصلت من المدرسة حينها كنت في الصف الثاني الثانوي والقصة أنه كان يعرض على شاشة LBC برنامج ستار اكاديمي، وكل طالبة كتبت إسم المشترك في البرنامج الذي نال إعجابها وكان منهم ( بشار الشطي ) وهو كويتي، وبما أنني كنت عريفة الصف شطبت اسم بشّار المكتوب على اللوح قبل أن تدخل المعلمة الصف. كان معنا في نفس الصف طالبة اسمها( زهرة جمعة) حيث والدها ( عبد الباقي جمعة) يعمل في مخابرات أمن الدولة، فكتبت تقريرا ضدي وأنني شطبت اسم بشار كرها بالرئيس بشار الأسد؟!
*** ماذا كانت ردة فعلك حيال ماجرى وماذا فعلت ؟
بعدها بشهر داهمت مخابرات أمن الدولة المدرسة وحققوا معي بإسلوب وحشي وإتهموني بأنني ضد الدولة ولهذا شطبت إسم الرئيس. أنكرت كلّ شيء لكنهم أصرّوا أنني فعلت ذلك قصداً.بعدها باسبوع جاؤوا مرة أخرى و تحقيق آخر في المدرسة... من ثم توالت فصول التحقيق داخل الفرع حيث الإرهاب والتعنيف، وبكيت كثيراً وشعرت بخوف رهيب وأنني إنتهيت دون أن أفهم ما يجري !!
انتقل التحقيق من المدرسة إلى داخل البيت مع العائلة ، وأعتقل أبي ليؤخذ إلى الفرع ويتعرّض للترهيب والتحقيق....
رغم أننا طرقنا جميع الأبواب ( المحافظ – مديرية التربية – الواسطات....) لأجل أن نصل إلى حلٍ يبعد عني السجن ويعيدني إلى مدرستي قبل أن تبدأ الامتحانات ، لكن كلّ شيء باء بالفشل ووجدت نفسي خارج أسوار المدرسة دون مستقبل ودون تعليم.
*** حينما أصبحت خارج المدرسة وأن مستقبلك إنهار، ماذا تراءى أمامك؟
لم أستغرب ما حصل معي وخاصة أنني أعيش في سوريا وشهدت ما جرى في إنتفاضة آذار 2004 حين قتل الشباب بالرصاص لأنهم خرجوا في مظاهرات يطالبون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحلّ قضية الكورد في سوريا، أنا إحدى ضحايا التمييز ووصلت لقناعة أن المواطنين الكورد السوريين مهما درسوا وتعلّموا فلن يحصلوا على أية مناصب أو إمتيازات تليق بهم كمواطنين.
*** لماذا لم تلجأوا إلى دمشق حيث بشار الأسد و وزرائه لأجل أن تحصلي على إنصاف؟
بعد التحقيق مع والدي كتب والدي كتاباً رسميا ًوأراد الذهاب إلى دمشق لأجل طرق الأبواب التي تخفي من ورائها المسؤولين ، لكن أجهزة الأمن هددوه بأن لا يفكر في ذلك.
*** ما موقف زميلاتك في المدرسة مما جرى معك ؟
رفيقاتي في المدرسة وقفوا أمام غرفة المديرة إحتجاجاً على الظلم الذي لحق بي فما كان منها إلا أن طردتهم وهددتهم بالفصل من المدرسة، رغم أنهم جميعاً يعرفون أنني مظلمومة وأن كلّ ما حدث هي تهمة ملفقة بحقي كوني (كوردية)، لكنهم كانوا يخافون من العقاب من المديرة والمخابرات.
أنت الآن في لبنان مع عائلتك تعيشين المنفى، كيف تنظرين لوطنك سوريا في ظلّ الإعتقالات والمظاهرات والقتل والفقر بعد أن عشت تجربة التحقيق و المخابرات باكراً؟
هم في دمشق يرون أنفسهم أقوياء وكلّ شيء مباح لديهم على حساب حرية الوطن والشعب، ولا يستطيع أحد أن يقول لهم ( لا )
*** حتى لا تتكرر التجربة نفسها مع تلميذة سورّية أخرى أو أي مواطن ، ما هو الحلّ برأيك لأجل خلاص الظلم والإستبداد عن سوريا؟
أولاً لا بدّ للشعب السوري أن يتوحد وعلى المعارضة السورية أن تلّم نفسها وصفوفها لأجل قيادة الشعب وبعيداً عن العنصرية القومية، وعليهم جميعاً أن يفعلوا مثل الشعوب الأخرى التي ثارت وحصلت على حريتها وكوردستان العراق هي خير تجربة، فهم قُتلوا ولكن نالوا الحرية، وعلى الشعب السوري أن يضحي لأجل أن ينال الحرية وحينها سيختفي الظلم.
*** ماذا تقولين لبشار الأسد وأجهزته الأمنية الذين حرموك من الوطن والتراب والأهل والأصدقاء والعلم وذكريات الطفولة؟
يتحدث بشار عن التحديث و التطوير لكن عليه أن يطّور نفسه ويُحدثها قبل الحديث عن ذلك، فهو لا يحس بشعبه لأنه لم يجد الظلم ولا الفقر ولا السجن ولهذا لا يهمه الأمر، والمسألة لا تتعلق بي وحدي.. إنها مسألة شعب سوري كامل.
*** هل ستعودين إلى الوطن يوماً ومتى ؟
أكيد سأعود لأن سوريا وطني وسأعود بعد أن ينهار النظام ويحصل الشعب على حقوقه وفي المفدمة الشعب الكوردي، وحين أعود إلى سوريا سأقدّم الكثير لأبناء وطني حتى لا ينال ظلماً أو جوراً كما حصل معي، وليعلم الجميع أن الكوردي يستطيع أن يفعل الكثير لوطنه وأن يعبر عن ذاته ووجوده داخل الوطن.
*** بماذا تحلمين وأنت بعيدة عن الجذور وخاصة أن بيروت هي وطن مؤقت حتى تجدي وطناً آخر ومنفى آخر تشعرين فيه بالأمان والحرية ؟
أحلم بالعلم و أن أكمل دراستي حتى أدافع عن الإنسان والقضية الكوردية وحقوق المواطن السوري ، وأحلم أن أكون مصممة أزياء كوردية ، لأنني درست عن الأزياء لكنهم منعوني من أن أكمل حلمي.
هذه ايفا زهرة من زهور الوطن السوري التي تهيم في الأوطان قبل أن تذبل ، تحمل حقائبها وطفولتها وأمانيها وأحلامها التي ما تحققت بعد، فمتى تحقق أحلامها ومتى ستعود الى سوريا.