الجزء الثاني
والسبب مدرسة دين محترمة تقطن في بنائهم قالت لها: إن لم تتحجبي فلا تنفعك صلاة ولا صيام ولا أذكار ولا عبادات ، فتركت الفتاة المسكينة باب النجاة بمنطق مكذوب يصادم قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يَرَهُ ومَن الجزء الثاني؛يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يَرَهُ)12 .
وهنا في دمشق إحدى شركات الطيران تكتب على بابها: "ممنوع دخول غير المحجبات" ، وهذا بصراحة نوع من القهر، إن البعض يحبون أن يرموا بالناس خارج الإسلام ، وإذا كان التبرج رذيلة خلقية واجتماعية فان السفور تقصير يحتاج إلى دعوة شفوقة وحب الهداية للناس13 ، والحجاب أصلا تكريم للمرأة (ذلك أدنى أن يُعرَفنَ فلا يُؤذَينَ)14، وقد كانت غير الحرائر يسرن حاسرات والحرائر يضعن الحجاب ، وعلى دعاة وداعيات الإسلام أن يعلموا بنات المسلمين معنى الحرية لا العبودية ، وما سمعت أن فقيها ولا مجتهدا ؛ أفتى يوما بقهر السافرات على الحجاب. إن من المخزي أن أحد الأنظمة قد ضغط على امرأة حتى فرت إلى إحدى الدول الغربية طالبة اللجوء السياسي هربا من الاضطهاد الإسلامي!! وصدر قرار بأن تعطى النساء المسلمات اللجوء السياسي لأن الإسلام يضطهد المرأة! أصبحنا وثائق إدانة لديننا أيها الناس.
هذه نماذج نرفضها فهي لا تمثل الإسلام ولكننا في نفس الوقت نقول: إننا لا نستحيي أبداً من القول: أن الحجاب التزام مع الله وهو أحد أبواب الخروج من العبودية لغير الله. إننا لا نستحيي أن نقول: هذا دين ربنا وشرع نبينا. ونحن أيها الأخ الغالي دعاة إلى الله نحمل الهداية والرحمة لكل أخ أو أخت فدعوتنا لأخواتنا من أجل الحجاب دعوة تكريم وسمو وخير لا قهر معها ، ودعوتنا لأخواتنا المحجبات دعوة انفتاح ووعي وتبصر لا انطواء معها ولا تقوقع ولا تنطع.
إن أساليب التشجيع مطلوبة ، وأساليب الخداع مرفوضة ، وتعويد أبنائنا وبناتنا على طاعة ربهم واجب والكذب عليهم حرام ، واشتغالنا ببعضنا لا يجوز وإدراك الأسباب الخلفية يوضح الأمور من دون صدام ؛ فتعاون يا أخي الكريم مع أخواتك في مواقع الصواب وحاول الإرشاد في مواطن الغلط ، وإياك والتخلي عنهن أو الشماتة بهن ي وما بل عليك أن تكون الأب لهن إن شُغِلَ أبوك بعمله وأن تكون الأخ الناصح الحنون الذي يلجأ إليه اخوته حبا به وثقة برأيه ، والداعية نَفَسُهُ طويل ، وقد أعجبتني فطنتك أيها الأخ في فهم بعض الأمور وإدراكك بأن الغلط في الالتزام ينعكس على الفكرة ، وأنا أظن فيك الخير ، وأرجو الله لك التوفيق.
أما ما ذكرتَهُ من أنك أصبحت وحيدا ؛ فأمر لا نُقِرُّكَ عليه ؛ فكلنا في المسجد إخوانك ، فاختر منا من يناسبك عمراً واذكر دائما قول نبيك صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)15 اللهم اجعلنا منهم.
خلاصة الموضوع :
1 - القهر ليس وسيلة إسلامية في حل المشاكل
2 - ما نراه تزمتاً منه ما هو من طبيعة الإنسان وقد طلب الدين تهذيبه "فإن المُنبَتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".
ومنه ما هو نتيجة قهر طويل ، وردود أفعال ، ومنه ما ليس بتزمت ولكننا نتصوره كذلك.
3 - لا يعالج القهر بقهر مضاد.
4 - على المسلم أن يحرص على ألا يستخدم كوسيلة قاهرة لأي طرف.
5 - الغلط في طرح الالتزام ظاهره ربح مؤقت وعاقبته خطيرة.
6 - دورنا هو التوعية لا التشنج والهداية لا الصراع.
7 – السن الشرعي للحجاب هو سن البلوغ ، والتعويد منذ الصغر من دون إكراه أمر لا مشكلة فيه بل هو مطلوب.
8- الأخت الملتزمة المتزمتة نتعامل معها بالتوعية والصبر والأخت السافرة نتعامل معها بروح حب الهداية والخير لها ، والأخت التي تكون محجبة ثم تترك حجابها لا نلقيها إلى أعدائها ، بل يزداد حرصنا عليها لنردها إلى الله.
9 - هناك أمور شرعية أصبحت تُصوَّر للناس مع الوقت أنها تزمت وتخلف ، ولا يجوز أن نخدع بهذا الأمر.
10- طبيعة الدين الانفتاح وبُعد النظر واستيعاب الظروف ، والدين يُفهم من خلال منطلقاته لا من خلال من يريد تشويهه بصورٍ مزرية ؛ الإسلام أول من يحاربها.
11- إن الفقيه يذكر الحكم الشرعي للناس ، ولكن الداعية يحمل الحكم الشرعي الواحد للناس ولكن بالطريقة المناسبة لكل واحد ، والأمة عندها كثيرون من فقهاء الأحكام ، ونادر جداً فيها فقهاء الدعوة.
الإحالات :
1- الكهف 28.
2- النحل 97.
3- النور 31.
4- الأنعام 11.
5- العلامة جمال الدين القاسمي ، ولد عام 1283هـ/1866م وتوفي عام 1332 هـ/1914م.
من رواد الإصلاح في بلاد الشام ، منهجه في غاية الاعتدال مع التحري للكتاب والسنة ، وقد صنف أكثر من مائة كتاب من أعظمها تفسيره المسمى: "محاسن التأويل" في سبعة عشر مجلدا ، ومن أنفعها: "قواعد التحديث" وغيرها. من المراجع عنه: سلسلة أعلام المسلمين ، رقم 66: جمال الدين القاسمي ، تأليف : د.نزار أباظة ، دار القلم – دمشق ،1418/1997.
6- المؤمنون 71.
7- المائدة 49.
8- ومن الحقد المذهل على الحجاب والإسلام طرد نائبة حزب الرفاه الإسلامي "مروة قاوقجي" من البرلمان التركي ، وسحب الجنسية التركية منها ، لأن الحجاب يهدد التقدم العلماني المزعوم في تركيا ولولاه لأصبحت تركيا أرقى دول الأرض!!!
9- تبقى الأخوات محتشمات مهما خضن في ساحات الحياة.
10- د.رنا قباني ، رسالة إلى الغرب ، ترجمة: د.صباح قباني ، بيروت ، دار الآداب ، 1991 ، ص 57-60.
11- وكشمير والشيشان و ....
12- الزلزلة 7-8.
13- وحبذا لو وزعت رسائل لطيفة تحبب الناس بالإيمان وطاعة الله.
14- الأحزاب 59.
15- مسلم ؛ البر والصلة والأدب 2586.