إن لكورستان موقعها ومكانتها التأريخية في العالم إستناداً الى الآثار والمنحوتات والكتابات الأثرية القديمة وإن ما يثبت عراقة أرض كوردستان التأريخية أن الانسان أعاد الحياة إليها بعد الطوفان ورسو سفينة نوح على جبل جودي، وفي خضم هذه الحقيقة ليس من الغريب أن تكون كوردستان مهد الحضارة والحياة الانسانية الاولى، فكهف شاندر الموجود في جبل برادوست بمنطقة بارزان يؤكد هذه الحقيقة حيث عثر فيه على بقايا عظام الإنسان القديم (النياندرتال) تعود الى (45-60) الف سنة، كما أمتهنت الزراعة والرعي لأول مرة في قرية جرمو شرق جمجمال، هذا فضلا عن العشرات من الآثار التي تثبت عراقة كوردستان .
لقد برزت في كوردستان القديمة دول وأمبراطوريات شهيرة دونها التأريخ منها السوئيون في منطقة سورباتو في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد حيث وصل نفوذها الى منطقة أور، واللولوييون في منطقة ميزوبوتاميا وخاصة في سهل زهاو وشارزور، وكان يطلق على تلك المناطق في عهد الاشوريين وطن زاموا، وكان اللولوييون في الألفية الثالثة قبل الميلاد أصحاب دولة قوية وكانت عاصمتهم خمازي.
في مناطق شمال وشرق دولة اللولويين يأتي إسم دولة أخرى كانت في الألفية الثالثة والألفية الثانية قبل الميلاد تدعى كوتي أو الكوتيين الذين حكموا مناطق وسط العراق مئة سنة .
لقد أسس الكاشيون في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد دولة قوية وحكموا كوردستان كما حكموا الدولة البابلية من سنة 1595 – 1162 قبل الميلاد وخلفوا وراءهم آثارا عظيمة .
إن شعوباً مشهورة أخرى في كوردستان قد وردت أسماؤها وشكلوا السلطة مثل الميتانيين والطورانيين المانايين غير أن الميديين يعدون من الشعوب الاخرى المعروفة في كوردستان القديمة وتمكنوا في القرن السابع قبل الميلاد من تأسيس امبراطورية عظمى واستطاعوا سنة 612 قبل الميلاد بالتعاون مع الكلدانيين هزيمة الدولة الاشورية والسيطرة على عاصمتهم نينوى، ويرى بعض الباحثين أن الميديين هم أجداد الكورد كون سنة تأسيس هذه الدولة سنة 700 قبل الميلاد يعد رأس السنة الكوردية .
أما الكاردوخيون الذين كان لهم وجود في مناطق بوتان فيعتبرهم عدد من الباحثين بأنهم الاجداد الاوائل للكورد، إن الكاتب اليوناني المعروف زينفون وعقب دحر جيشه في حرب داخلية للهاخامنشيين مرّ مع عشرة الاف من الجنود اليونانيين بأرض الكاردوخيين، ودون سنة 401 قبل الميلاد معلومات بهذا الخصوص، وبعد سنوات شهدت كوردستان أحداثاً ومتغيرات كبيرة مثل حرب كوكمير قرب هولير بين جيش الاسكندر المقدوني وجيش الهاخامنشيين سنة 331 قبل الميلاد، ثم بقيت كوردستان إكراهاً تحت تأثير سلطات الاشكانيين وحدياب والساسانيين والبيزنطيين (الروم) .
مع ظهور الدين الاسلامي الحنيف وبدء الفتوحات الاسلامية أصبح موطن الكورد أيضاً مسرحاً للاحداث والمتغيرات الكبيرة، ومنذ سنة 16 للهجرة تعرف سكان كوردستان في مناطق جلولاء وحلوان وكرمنشاه وموطن اللوريين على الدين الجديد، وفي سنة 35 للهجرة أصبح معظم كوردستان تحت راية الاسلام وتقبل الكورد هذا الدين الجديد .
في العهد الأموي (41-132) للهجرة قطع الكورد شوطاَ إنتقالياً كبيراً وتحول موطنهم نتيجة الاحداث الى معقل للخوارج، وشارك الكورد في بعض حركات الخوارج فتعرضوا للظلم والاظطهاد بإعتبارهم مسلمين غير عرب(الموالي)، لذا ايد الكورد العباسيين، ومع زوال الدولة الاموية لعب الكورد دوراً كبيراً في العهد العباسي(132-656) للهجرة .
في زمن الخلافة الاسلامية وخاصة في العهد العباسي ظهرت بوادر السلطة السياسية للكورد في مناطقهم، وفي بداية القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي برزت سلطات كوردية على هيئة إمارات ودويلات على النحو التالي مع توضيح مناطق نفوذهم:
إمارة عيشاني ( 300-350 هـ /912-961 م)
حكمت مناطق غرب اقليم الجبال في نهاوند ودينور وهمدان وسامنان الى حدود اذربيجان، وأهم أمرائها ونداد وغانم .
إمارة روادي (في حدود 337 -463 هـ / 948 – 1071م)
حكمت مناطق مراغة وتوريز واردبيل وورمي وخوي وسلماس...ألخ، ومن أشهر أمرائها محمد ابن الحسين الروادي وابو هيجاء الروادي ومملان الروادي .
إمارة شدادي (340 – 595 هـ / 951 – 1198م)
حكمت منطقة اران في مدن بردعة ودبيل وكنجة وباكو وعدداً من المناطق الاخرى، وعلى الرغم من إضعاف نفوذ هذه الامارة من قبل السلجوقيين فإنها بقيت حتى 595هـ -1198م في مدينة آني، ومن أشهر أمراء هذه الامارة محمد ابن شداد وفزلون وابو الاسوار وأمراء آخرون، حيث كانت امارة مستقلة سكت النقود .
إمارة حسنويهي (348-406هـ / 959-1015م)
في مناطق شارزور وشابورخواست أي حكمت مناطق لورستان ودينور وهمدان ومدناً ومناطق أخرى، ومن أشهر أمرائها حسنويه ابن حسين الكوردي والامير بدر بن حسنويه الذي يعد واحدا من أشهر الامراء الكورد، حيث شهدت فترة حكمه أعمالاً عظيمة في العقود الوسطى وسك النقود .
إمارة مرواني ( 373-489هـ / 983-1096م)
حكمت هذه الامارة كوردستان الوسطى والشمالية في دياربكر في مدن مياخارتين وماردين وآمد وخلات وبدليس ومناطق اخرى، وكان مؤسس هذه الامارة هو الامير باد ابن دوستكي الكوردي، كما حكم هذه الامارة الامير ممهد الدولة والامير نصر الدولة واحمد بن المرواني الكوردي وهو من اشهر الامراء الكورد حيث حكم اكثر من خمسين سنة وكانت سلطته بمثابة سلطة الدولة واعترفت بها الدولة العباسية والبويهيون والفاطميون والبيزنطين والسلجوقيون، وقد قام بأعمال عظيمة في مجالات العمران وتطوير الحياة الاجتماعية والانعاش الاقتصادي في منطقة كوردستان، وقد سكت النقود في معظم مناطق الامارة .
إمارة عنازي (381-511هـ / 1046-1139م)
تأسست هذه الامارة من منطقة حلوان من قبل الكورد الشازنجانيين ثم توسع نفوذها ليمتد الى مناطق أسد آباد وداقوق، ومن أشهر أمرائها الامير ابوالفتح محمد ابن عناز والامير حسام الدولة وابو شوك والامير سورخاب ابن بدر .
إمارة هزباني ( 347-534هـ /
ظهرت في مدينة هولير وحكمت معظم المناطق المحيطة بهولير، ومن أشهر أمرائها عيسى ابن موسى الهزباني والامير ابو الحسن ابن موسكي الهزباني .
بعد مجيْ السلجوقيين ضعفت معظم الامارات الكوردية وإتجهت نحو الزوال غير أن دورها كان ملحوظا وقد ساهم الكورد مع السلجوقيين في معركة ملازكرد فإنتصروا على الرومان .
وأثناء غزو المغول تعرضت كوردستان للخراب والدمار لأن المناطق الكوردية كانت مهمة للمغول كما أنها كانت في الطريق نحو بغداد والشام، لذا فإن كوردستان تعرضت لأكبر ضرر وخراب في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) .
إبان سلطة قوى الاحتلال لكوردستان تعرض الكورد لإضطهاد كبير غير أن السلطة السياسية في كوردستان لم تنته تماماً، وحكم العديد من الامراء مناطق كوردستان المختلفة، وقد جعلت قوات الجلائيريين والتيموريين والقرئوينلو ....ألخ كوردستان ساحة لحروبها وصراعاتها إلى أن ظهر العثمانيون وإندلاع حرب جالديران 1514م، حيث دون الامير شرفخان بدليسي في كتابه الشرفنامة معلومات هامة عن السلطات الكوردية .