لا يخلو تراث أي شعب في العالم من ومضات في ميادين الثقافة والأدب والعلوم والفنون، فإنها لن تضيع أبدا، بل ستبقى ما بقي الشعب لأنها تمثل روحه ونبض حياته.
والأكراد شعب يملك التراث الثقافي، الذي يعتبر الدليل الثابت على صمود هذا الشعب الذي كافح وناضل واستمر رغم كل محاولات محوه من الوجود.
فقد ظل الكردي يختزن في ثقافته المتواترة الكثير من الآثار المروية أو المدونة بما تشمله من قصص وأساطير شعبية أو شعر راق، تدل بمجموعها على فكر خصب، وخيال واسع، كما أنها في معظمها بعيدة عن الركاكة والغثاثة والتكلف، ويقول الرحالة الفرنسي فازد: (إن الكردي يمتاز بإحساسه الثاقب بالأدب والشعر).
يحفل الأدب الكردي بكثير من الملاحم الشعرية، والقصص والحكايات الشعبية، التي انتقلت بالتواتر، وتناقلها الرواة جيلا بعد جيل حتى وصلت إلى عصرنا الحالي، فوجدت من يهتم ويعتني بها وبدراستها وتدوينها ثم نشرها.
كما يحتوي هذا الأدب على كل ما يشمل التقاليد والبطولات والحروب، وهي أكثر من أن تعد وتحصى، لأنها تشكل أدب التراث الذي يحتاج إليه أكثر من غيره إلى همم المفكرين من أجل جمعه وإظهاره للناس، لأنها تعبر عن حاجات العصر الذي رويت فيه، ويعطي انطباعا عن أحوال المجتمع الذي تروي وتحكي عنه متمثلا بأبطال وأحداث الحكاية. تلك الأحداث التي لا تخلو أبدا من لمسات إنسانية وعاطفية مع رومانسية واضحة تبرز في هيكلية بناء الحكاية وحوارها ولعلها لا تخلو أبدا من تقديس روح الشجاعة والبطولة والإيثار.
وعلى الرغم من إن الحكاية قد احتلت مكان الصدارة في الأدب الكردي إلا أن هذا لا يعني خلو الأدب الكردي من القصة، فقد ظهرت القصة أيضا بصورة رائعة جدا من خلال مجموعة من الروايات التي جمعت شروط القصة الأدبية، وأمثلة ذلك كثيرة:
* قصة (ممو زين): وهي عبارة عن رواية وملحمة شعرية ألفها شعراً الشيخ العلامة أحمد الخاني أمير شعراء الأكراد عام 1591 ثم نقلها إلى العربية وصاغ بنيانها القصصي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رئيس قسم العقائد والأديان بجامعة دمشق. وهي رواية إنسانية غرامية مأساوية ممتعة، تتحدث عن العاشقين (ممو) و(زين) لكن ممو لم يكن في نفس مستوى حبيبته، من حيث النسب والوضع الاجتماعي، وعندما علم أمير بوطان وهو شقيق زين بحكاية الحب غضب على ممو وزّج به في السجن، وذلك بتحريض من الفتّان (بكو) لكن الأمير اضطر إلى إطلاق سراحه والموافقة على زواجهما خوفا من التمرد الشعبي. غير إن ذلك حدث بعد فوات الأوان، فقد مات ممو العاشق ثم ماتت المعشوقة زين...
* ملحمة (قلعة دم دم): وهي رواية تتحدث وتصف مقاومة ودفاع الأكراد البطولي في تلك القلعة في مواجهة جيش الشاه عباس، ملك الفرس في القرن التاسع عشر، وكيف فضّل المدافعون عن القلعة الموت رجالا ونساء وأطفالا على الاستسلام للأعداء.
* قصة (بائع السلال): وهي حكاية فلكلورية تتحدث عن طهارة الرجل الكردي وعفافه، وترفعه عن الدنايا وتجنبه الرذيلة، حققتها ونشرتها المستشرقة السوفييتية ش موسيليان لنيل درجة الدكتوراه. وقد صغت هذه القصة بأسلوبي وتقدمت بها قصة قصير في مسابقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عندما كنت في مرحلة الدراسة الجامعية.
وغيرها من القصص والحكايات المشهورة مثل سيامند ابن الأدغال التي كتبها أيضا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
هذا عن الحكايات والقصة سواء الشعبية غير المدونة أو الأدب المدون، أما على مستوى الشعر فيحتوي الأدب الكردي على كنز شعري عظيم، اشتهر من خلاله عدد من فطاحل الشعر الكردي، وقد تناول هؤلاء الشعراء جميع جوانب وأغراض الشعر من غزل ووصف وفخر وحماس ووطني، لكل الأثر الأكثر وضوحا هو الجانب الديني والصوفي خاصة، ومن أبرز الشعراء الأكراد:
* الشيخ أحمد الخاني (امير الشعراء): وقد سبق الحديث عن ديوانه الشعري القصصي (ممو زين) وله العديد من المؤلفات النثرية بالإضافة الى شعره، وكان من الضليعين بالعربية والفارسية الى جانب لغته الأم الكردية.
* الملا الجزري: وهو الشيخ احمد الجزيري من جزيرة بوتان توفي عام 1160 هجري، بعد ان خلف ديوانا سمي باسمه.
* ملا احمد بالو: المتوفى عام 1990 وخلف سبعة دواوين لم ينشر منها سوى ديوان واحد، وتميز شعره بالفصاحة والجزالة وقوة التراكيب، ونظم قصيدة من عشرة آلاف بيت، على غرار الكوميديا الإلهية لدانتي.
ومن الشعراء المعاصرين الشاعر المشهور هجار وهو من أكراد إيران، وكذلك كتب في الشعر السياسي كاميران بدرخان، وعبدالله كوران. لكن الأبرز على الساحة الأدبية الكردية المعاصرة الشاعر (جكر خوين) الذي توفي عام 1984 وهو من مدينة القامشلي في سوريا وقد خلف ثمانية دواوين تناول فيها المظالم التي وقعت على شعبه الكردي. بعد هذا العرض البسيط والموجز جدا من خلال إلقاء نظرة على الأدب الكردي، يمكن حصر الأسباب والعراقيل التي واجهت تطور الأدب الكردي فيما يلي:
* الوضع الأمني غير المستقر من خلال الحروب التي قامت ضد هذا الشعب الآمن، والذي بقي مشغولا حتى اليوم بهمومه وآلامه، ولو أن كثيرا من الأدب الكردي المعاصر كان إفرازا من إفرازات تلك الآلام.
* عدم تطوير اللغة الكردية والسبب هو منع دراسة اللغة منعا تعصبيا، وهو الأمر الذي أدى الى قلة الكتابة والتدوين.
* سيطرة الفقر المدقع والذي حال دون انشغال الكثير من المهتمين بدراسة الأدب والتحقيق فيه.
* التأخير في إنشاء وسائل الإعلام لنشر الأدب ومساعدة تنميته. على الرغم من إنشاء قنوات تلفزيونية كردية في التسعينيات والتي ساعدت ولو بشكل بسيط جدا في نشر ودراسة الأدب الكردي. وهكذا يظهر أن الأدب الكردي غني جدا بكل ما يتصل بالأدب، ويظهر عليه الأثر الديني، والموقف الإسلامي بشكل واضح وجلي وخاصة في الأدب القديم. ويبقى هنا أمر أريد بيانه، وهو أهمية دراسة الإخوة العرب للأدب الكردي والاطلاع عليه، بسبب الروابط التي تجمع بين الشعبين الذين بنيا معا الحضارة الإسلامية، فهما الأولى بهذا المضمار من المستشرقين، الشرقيين والغربيين.
بقلم
علاء الدين عبد الرزاق جنكو