ينقسم الأدب الكردي، شأن كل الآداب، إلى قسمين: الأدب الشعبي المحكي أو الفلوكلور. الذي غاب قائله وأصبح جزءاً من تراث الشعوب وذاكرتها. والأدب المدون، الذي ينتسب إلى قائله أو كاتبه. وفيما يأتي حديث موجز عن كل قسم
1ـ الأدب الشعبي:
الأدب الشعبي أو الشفاهي عند الكرد أدب غزير، ومما يؤسف عليه أن المستشرقين كانوا أكثر اهتماماً من المسلمين بجمع الكثير من الأدب الشعبي الكردي ونشره.
ويتمثل غنى هذا الأدب فيما يأتي:
أولاً: في الأمثال والأقوال الشعبية المأثورة والألغاز والأحاجي. يحب الكردي أن يزين حديثه بجمل مسجوعة وموزونة، أو ببعض المأثور من الحكمة تظهر وعيه وقوة ملاحظته. وتزودنا الأمثال أيضاً بملخص مركز لحكمة عملية. ولقد نشر الآلاف من هذه الأمثال. وللدكتور بدرخان السندي كتاب بعنوان: الحكمة الكردية، من مطبوعات بغداد، في أواسط تسعينيات القرن العشرين.
ثانياً: في الأغاني وأشكالها وأنواعها:
فهناك أغاني الرقص (ديلوك)، وغانيتنتنتنتنتأغاني الحب (لاوِك)، وأغاني الحرب أو الغناء الحماسي (شر)، وهناك النشيد أو الترتيل الديني (لافيز، لافيزوك، لازه)، وأخيراً هناك النشيد الجماعي (بيريتي أو بيليتي).
والمغنون الكرد فئات:
فهناك (دنكبيز) أو (استرانفان) وهو المغني الشهير. يأتي بعده (جيروكبيز) وهو المغني البسيط، الذي يغني حيناً ويروي حيناً آخر، وأكثر ما يكون ذلك في رواية القصص القصيرة. وهناك (مرطب أو مطرب) وهو الغجري المغني والرقاص. ويوجد أيضاً (سازبند)
وهو الفنان الموسيقار الذي يسير مع دنكبيز. وأخيراً يأتي (بلورفان) وهو النافخ في الناي.
تنقسم الأساطير الكردية بدورها أقساماً، فهناك القصة (جيروك)، وهناك الأقصوصة (جير جيروك)، والقسمان نثريان موزونان، يرويهما شخص يدعى (جيروكبيز) أو الراوية، وينشدها (دنكبيز أو استرانفان) أو المغني.
وللقصص والحكايات والنوادر علاقة وثيقة بالخيال والعجائب والفكاهة، بحيث تجعل المرء ينسى هموم الحياة ومتاعبها. ولا تتردد الحكايات أو القصص والأقاصيص (التقريعية بخاصة) عن انتقاد أخطاء الأفراد، مهما كانت منزلتهم ـ والقبائل المتنافسة. كما يغرم
القصاصون الكرد (بقصص الحيوان التي دائماً ما تحتوي على فضيلة أخلاقية)(1)، على غرار (كليلة ودمنة).
ونظراً لتفشي الأمية بين الكرد، فقد توارثت الأجيال آدابها من الرواة والقصائد والأغاني ـ أغاني الحروب وأقاصيص الحب والملاحم، كملحمة نضال الكرد في قلعة (دُمْ دُمْ) التي تصف مقاومتهم البطولية لجيوش الشاه عباس ملك فارس في القرن التاسع عشر. وملحمة (مم وزين) التي تصف العلاقة الغرامية البريئة بين (مَم) و(زين)(2)، هذه الملحمة التي ترجمها إلى العربية بأسلوب نثري مشرق الدكتور (محمد سعيد رمضان البوطي) تحت عنوان (ممو وزين ـ قصة حب نبتت في الأرض وأينعت في السماء).
2ـ الأدب الكردي المدون:
يذكر مؤرخو الأدب الكردي أن هذا الأدب قد ازدهر باللهجة الكَورانية في (سَنَه أو سَنَنْداج) عاصمة أردلان الكردية في كردستان إيران، في القرن الثامن عشر الميلادي. كما ازدهر باللهجة البابانية في السليمانية وكوي سنجق خلال إمارة البابان. وازدهر أيضاً بالكرمانجية في بايزيد وهكاري وبوتان في كردستان تركيا ابتداء من القرن الحادي عشر للميلاد.
فمن أدباء (سنه ـ سننداج) زين العابدين البلانجاني والشيخ أحمد التختي، ولكليهما شعر رقيق كتب (1750م ـ 1770م). ومن أشهر أدباء البابان (نالي) في السليمانية، و(حاجي قادر الكويي) في كوي سنجق التابعة لمحافظة أربيل. وأكثر ما اعتنى به شعراء السليمانية الغزل والتلاعب في الكلام كما في الفارسية. وأقدم شعراء الجنوب علي الحريري، الذي ولد في بلدة حرير التابعة لأربيل سنة 1009م، وله ديوان شهير وأشعار جميلة وكثيرة جداً، وقبره في بلدته مشهور مزور.
أما أدباء الشمال (كردستان تركيا) فكثيرون منهم:
1ـ ملاي جزيري:
وهو الشيخ أحمد الجزيري، من أهالي بوطان ـ جزيرة ابن عمر، له ديوان شعر محبوب بين الأهالي، وتوفي سنة 1160م بجزيرة بوطان ودفن بها، وقبره مشهور مزور. وله شعر في الغزل والإلهيات والتصوف.
2ـ فقيه أو (فقي) طيران،
اسمه محمود، من أهالي بلدة مكس، ولد سنة 1302. له منظومتان كبيرتان باسم (الشيخ سناني) و(حكايات برسيسا). وله منظومة شهيرة باسم (كلمات الحصان الأسود) حصان النبي صلى الله عليه وسلم أو البراق. وله كتاب منظوم أيضاً باسم (م،هـ) في التصوف ووحدة الوجود. توفي سنة 1376م ببلدة مكس ودفن بها.
3ـ ملاي باطي:
هو الملا أحمد الشهير بالباطي نسبة إلى قرية باطة التابعة لمحافظة هكاري أو (حكاري). مولده سنة 1417م ووفاته سنة 1492م. له منظومة في قصة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وديوان متداول بين الناس.
4ـ أحمد خاني:
هو الشيخ العلامة الشاعر العاشق المفلق، من عشيرة خانيان، وصاحب ديوان (ممو زين) الشهير. وهو شعر قصصي لا مثيل له إلا إلياذة هوميروس. ألف هذا الديوان في مدينة بايزيد سنة 1591م. وله كتاب باللغتين العربية والكردية بعنوان (نوبهار) (الربيع الجديد)، وله تآليف أخرى في العربية والتركية أيضاً. وكان له ولع شديد بالفنون الجميلة غير قرض الشعر والإنشاد. وقد ابتنى في بلدته جامعاً زخرفه بأنفس القصائد والمقالات الدينية والشعرية والفلسفية باللغة الكردية. وأنشأ مدرسة جعل لغة التدريس فيها الكردية. توفي ـ رحمه الله ـ سنة 1652م، ودفن بجوار الجامع الذي بناه في مدينته بايزيد.
5ـ إسماعيل:
من أهالي بايزيد أيضاً، ولد سنة 1654م، وتوفي سنة 1709م وقبره في مدينته مشهور. وهو من الشعراء الغزليين والقصصيين. وله قاموس صغير في اللغات الكردية والعربية والفارسية يسمى (كلعذار). وله قصائد رنانة وأشعار لطيفة كثيرة.
6ـ شريف خان:
من أمراء هكاري، ولد سنة 1689م في بلدة جولمرك مركز هكاري. له آثار نثرية وشعرية كثيرة، وديوان في غاية الجودة. وكان له باع طويل في قرض الشعر بالفارسية أيضاً. توفي سنة 1748 في بلدته جولمرك.
7ـ مراد خان:
من أهالي بايزيد، ولد سنة 1737م وتوفي سنة 1784م. له مؤلفات كثيرة وأشعار لطيفة في التصوف والشعر الغزلي.
8ـ علي الترموكي:
من العلماء الأفاضل والمدرسين العظام، ولد سنة 1000 هـ في قريته الكائنة بين هكاري ومكس. وكانت له يد طولى في العلوم والفنون، لا سيما الفنون الجميلة، وشعره كان فلسفيا. كان علي الترموكي مولعاً بالتدريس، وهو مؤلف النحو والصرف الكرديين. وله رحلات قيمة كثيرة إلى البلدان المجاورة، ذكر فيها أشياء مفيدة وملاحظات سديدة، ودفن في قريته التي ولد فيها.
9ـ ملا يونس الهلكاتيني:
وهو صاحب الرسائل الكردية الثلاث الشهيرة في تعليم اللغة العربية: (تصريف)، (ظروف)، (تركيب). وقبره بقرية هلكاتين التي ولد فيها(3).
وفي العصر الحالي برز من رواد مدرسة الشعر المعاصر فايق مكسي وبرميد وكوران. وقد نظم كوران أعمالاً شعرية ذات توجه وطني قومي فقامت الحكومة العراقية بإعدامه(4).
وفي سورية ظهر الشاعر الماركسي ـ بعد أن كان ملاّ ـ جكر خوين، واسمه ملا شيخوموسى، أي الشيخ موسى، وجكر خوين (الكبد المدماة). ولد عام 1903 وتوفي عام 1984. ومن دواوينه: ثورة الحرية، من أنا؟، الفجر، الضياء، الأمل. وله سيرة ذاتية في أربعة مجلدات بعنوان: الراعي الكردي، طبعت في أرمينيا السوفياتية. كما ألف قاموساً (كردي ـ كردي) عندما كان مدرساً للغة الكردية في جامعة بغداد(5).
ولعل من المفيد أن نذكر أن الأستاذ علا الدين سجادي قد ألف كتاباً بعنوان: تاريخ الأدب الكردي، وطبعه في بغداد سنة 1952، وهو مجلد ضخم يقع في 634 صفحة. بين فيه المؤلف بعد التمهيد عن كردستان وشعبها ومراحل تطور الأدب الكردي وصوره وأشكاله، الحديث عن نحو أربعة وعشرين شاعراً، ومجموعة من المؤلفين تبلغ نحو مئتين واثني عشر كاتباً ومؤلفاً. واللافت للنظر في كتاب سجادي اشتماله على عدد كبير جداً من علماء الدين الإسلامي الذي اشتغلوا بالأدب الكردي شعراً ونثراً، فقد كان ثمة خمسون ملاّ، وواحد وثلاثون شيخاً، وخمسة (مولانا)، وأربعة فقهاء، الأمر الذي يعني أن علماء الدين هم أحرص على المحافظة على الأدب الكردي وحفظه وتطويره، وأن الإسلام الحق لا يعرف الشوفينية أو محو خصائص شعب معين لصالح شعوب أخرى.
تحيااااااااااااااااااااااااااااااااااتي