ان اللغة الكوردية بهذا الامتداد الواسع ليست بمعزل عن المؤثرات اللغوية للغات المجاورة لها في جميع الاطراف . وهذا يعني ان اللغة الكوردية تتداخل في مناطق عديدة وبشكل واضح مع اللغات التي تجاورها كالتركية والفارسية والأرمينية والعربية، وهذا مما يدل على حيويتها وقابليتها الاقتباسية في الهضم والتمثيل ، وهذه سمة ايجابية مكشوفة في جميع اللغات الحية المتحضرة والقابلة لتكيف مع تطور ظروف الزمان والمكان مع الاحتفاظ بالاصل والجوهر .. وهكذا توزعت اللهجات الكوردية جغرافيا الى مناطق واسعة تشمل جميع مساحة بلاد كوردستان الموزعة بين روسيا وايران والعراق وتركيا وسوريا ولبنان ، وكذلك الكورد في بلاد المهجر شرقا وغربا في اوربا والامريكيتين و استراليا .. ووفق العامل الجغرافي هذا نستطيع القول بان اللهجات الكوردية تنقسم الى الاقسام الآتية ( ):
1. اللهجة الكرمانجية الشمالية .
2. اللهجة الكرمانجية الجنوبية .
3. اللهجة الكرمانجية الوسطى .
4. اللهجة الكورانية .
وسنشرح شيئا منها ببعض التوضيح عن كل من تلك اللهجات تباعا .
اللهجات الكرمانجية الشمالية
وهي اكثر اللهجات الكوردية انتشارا وسعة ، اذ يفوق انتشار باقي اللهجات الكوردية ، حيث يتكلم بها الكورد في تركيا في محافظات (بايزيد، مرعشن، وسيواس، وارضروم وقارص)، وكذلك الكورد في الاتحاد السوفيتي السابق في جنوب غرب أرمينيا وسكان محافظة دهوك ومناطق الزيبار والعمادية وسنجار ، ونظرا لانتشار هذه اللهجة الواسعة فقد تفرعت منها بعض اللهجات المحلية التي لا تختلف عن بعضها الا قليلا ويمكن ملاحظة هذه الملاحظات الفرعية بالترتيب الآتية :
1. لهجة البايزيدية وهؤلاء يتركزون في تركيا وشرق بحيرة وان.
2. لهجة الحكارية وهؤلاء يتركزون في تركيا جنوب وغرب بحيرة وان .
3. لهجة البوتانية ، وهؤلاء يتركزون في تركيا والعراق حول وادي بوتان ، وسعرت ، وارتوش ، وجزيرة ابن عمر ، وديار بكر ، وحلب ، ودمشق ، وديرالزور، وقامشلي في سورية .
4. لهجة الشمدينانية وهؤلاء يتركزون في العراق وبعض مناطق تركيا في الزاب الاعلى .
5. لهجة البهدينانية وهؤلاء يتركزون في العراق ، في محافظة دهوك واقضية الزيبار والعمادية وسنجار .
6. اللهجة الغربية : وهؤلاء يتركزون في تركيا في خربوط ، واروفة ، ومرعش، وعفرين .
اللهجة الكرمانجية الجنوبية
وهي اللهجة التي يتكلم بها العشائر اللورية القاطنة في منطقة (اللور)، وهي لهجة كوردية واسعة الانتشار ، ويتركز هؤلاء في ايران والعراق . اما كلمة (اللور)فقد جاءت من خلال وجود مضيق يدعى باللهجة المحلية اسم كول ، وقد نشأت هذه القبائل في الاصل في هذا الموقع وهو ما يذكره صاحب كتاب(الشرفنامة)( )، والحقيقة ان كلمة (له ر) او (لورا)، ولور نوعان الكبير والصغير. لا علاقة له باسم المضيق المعروف بـ(كول)وانما لفظة (له ر)تطلق كصفة على اصحاب حسن الاعتدال وطول القامة والنحافة وعدم السمنة او البدانة ، وهذه الصفات الحلوة(المرغوبة) كطول القامة والرشاقة البدنية هي الصفة الظاهرة على رجال ونساء القبائل اللورية اضافة الى صفات اخرى تتوفر فيهم كالشجاعة والكبرياء في الوقوف في وجه الظلم والكرم والعفاف والحس الاجتماعي المرهف في التعامل مع الاخرين بالعدل والانصاف وخوف من الله .
وعندما تزايد عدد سكان هذا الوادي المذكور قبل قليل ، واكتظ بالسكان ، وامتلأ الى حد الفيض المستدعي للهجرة ، ولدرء المشاكل وغيرها ، نزحت العشائر الى المناطق المجاورة له ، تخفيفا للازدحام الذي حصل في المنطقة الاصلية ، لذلك تعرف هذه العشائر بـ(اللور الاصلي)، القسم الأصيل منهم (الكلهور)( ). اما العشائر الكوردية التي لم يكن لها مقام اصلي في تلك المنطقة اي في وادي(كول) فلا تعد من عشائر اللور الأصلية ، وعلى هذا الاساس فان العشائر اللورية تقسم الى فئتين وهما :
1. عشائر اللور الكبرى : وهم عشائر (البختيارية، روالمامساني، والكوهكلو).
2. عشائر اللور الصغرى: وهم عشائر(الدلفان، وسلسلة، وبالاكريوه، واماله ، والفيلية).
اما عن لهجات اهل لورستان الكوردية الجنوبية تنقسم الى الفروع التالية :
أ. اللهجة اللورية الأصلية: وهي اللهجة التي تتكلم بها العشائر الكوردية القاطنة في مناطق بشتكوه، وبالاكريوه، اي في النصف الشمالي من اقليم لورستان . ب. اللهجة اللكية : وهي اللهجة التي تتكلم بها العشائر المعروفة بنفس الاسم والقاطنة في منطقة بيس كوه من لورستان، ومن عشائرها: (عشيرة خواجة، وقند ، وعبد المالكي، وناداو وند ، وناداوقند ، وشوجا، وخشان وكاتاوه). ج. اللهجة الكلهرية : وهي اللهجة التي تتكلمها عشائر كلهر الكوردية العريقة ، ونصفهم مبعثر في ارجاء مختلفة من بلاد فارس والبقية يقيمون في حصونهم القديمة في احضان جبال زاجروس.
د. اللهجة البختيارية: وهي اللهجة التي تنطق بها عشائر البختيارية الكوردية الشهيرة ، وهي جزء هام من عشائر اللور الكبرى. وتشير بعض المصادر ان هذه العشائر قد هاجرت في حدود عام(1106م)الى لورستان ، ويقسم البختياريون الى طائفتين: اولا. هه فت لنك (سبعة افخاذ): وتضم هذه الطائفة الان خمس وخمسين فخذا او عشيرة وغالبيتهم من الرحالة .
ثانيا. جوار لنك (اربعة افخاذ): وتضم هذه الطائفة في الوقت الحاضر اربع وعشرين فخذا ومعظمهم فلاحون مستقرون . هـ. اللهجة المامسانية: وهي لهجة عشيرة مامساني الكوردية المعروفة والتي تقطن الاطراف الجنوبية الشرقية من كوردستان وتتفرع منها العشائر التالية : اولا. عشيرة بغشي وعددها (17) سبعة عشر فخذا . ثانيا. عشيرة جودي او (جاويدي). وعدد افخاذها(16)ستة عشر فخذا .
ثالثا. عشيرة روستمي وتتكون من فئتين هما :
(1) خان علي خان .
(2) امام قلي خان ، ولكل من هذه الفئات مجموعة من الافخاذ . رابعا. اللهجة الكوهكلو : وهي لهجة عشائر كوهكلو الكوردية التي تقطن منطقة البختياري وحول جبل دينا ومنابع نهر جراهي حتى دام هرمز وبهبهان ، والى الغرب منهم يقطن عرب خوزستان (الاهواز)، وتقسم عشائر الكوهكلو الى مجموعتين : (1) مجموعة بشت كوه (خلف الجبل) .
(2) مجموعة زير كوه (سفح الجبل)، ولكل فرع من هذه الفروع مجموعة من الافخاذ . وتشير بعض المصادر ان كلمة (كرمانج)لا يعرف أصلها ، فهل ركبت من كلمة (كورد)او اسم آخر لعشيرة ميدية ام لا( ). والحقيقة انها كلمة كوردية صحيحة تشير بوضوح الى معنى لانج البيان، اذ تعني موطن او بلاد الكورد، او مستقر الكورد.
اللهجة الكورانية ويتكلم بهذه اللهجة الكوردية سكان منطقة كرند زهاو ، وجوانرو ، وكاكائية طاووق وبعض عشائر الزنكنة . اما الهورمانية : فهي لهجة غاية في اللطافة () يتكلم بها سكان جبال هورمان وباوه ، وبلنكان وحواليهما ، ويقسم الهورمانيون الى شعبتين : أ. عشائر اللهون : ويسكنون سلسلة جبال هورامان (اي في العراق).
ب. عشائر التخت : ويسكنون في شرق هذه السلسلة الجبلية . اما الباجلانية : فهي لهجة مبعثرة نلاحظ قسما من الناطقين بها شرق الموصل ، ويعرفون بالشبك(الشبج)وفي زهاو ، وشمال لورستان ، وقرب خانقين ، وفي قورة تو ، وهورين ، وشيخان ، و(ناحية ميدان)في العراق، الا ان كورد مندلي فانهم يتكلمون اللهجة اللورستانية الكلهورية ، ولكنها مخلوطة بعض الشيء بالباجلانية بسبب القرب من خانقين وما وراء بشت كوه الكوردية . ورغم تبعثر مناطق اللهجة الباجلانية بهذا الشكل ، فان اللهجة التي يتكلم بها الباجلانيون هي لهجة متشابهة في جميع مناطقهم ، ولكن نظرا لاختلاط الباجلانية بالكرمانجية الوسطى ، فقد اصبح للاخير مؤثرات لغوية واضحة عليها.. والميزة اللغوية الملحوظة في لهجة الباجلانية انها تحوي جميع مفردات اللهجات الكوردية الاخرى ، ولا تخرج عن اصول اللغة الكوردية الأصلية .. وتعتبر الزازانية ايضا احدى اللهجات الكورانية الفرعية ، ولكن المدهش في امر هذه اللهجة الكوردية يكمن في موقعها ، فهي لا توجد ضمن اقليم اللهجة الكورانية .. واللهجة الكورانية فقيرة ، لقلة عدد المتكلمين بها بالمقارنة الى سائر اللهجات الكوردية اخرى ، ولعدم توفر ما كتب بهذه اللهجة وندرته فقد عاشت عصرها الذهبي الوحيد الذي عاشته هذه اللهجة هو الازدهار الذي لاقته على ايدي امراء الاردلانيين الذين كانوا يشجعون في بلاطهم بحماس الشعراء والادباء الذين ينظمون الاشعار والقصائد والاهازيج ويكتبون الاحاديث والقصص والخطب والاساطير بهذه اللهجة ، الا ان هذه اللهجة تدهورت عند سقوط هذه الامارة الكوردية على يد القاجاريين عام (1867م)، كما شجع الامراء البابانيون الاوائل كتاب وشعراء هذه اللهجة كذلك ، وقد ضاعت كثير من الاثار والكنوز التي حوتها هذه اللهجة بفعل تقلب الظروف السياسية والاهمال ، وهي بحاجة الى دراسات جديدة موثقة لاحياء تراثها ، لضمها الى ارشيفات مكتبات كوردستان للاحتفاظ بها للزمن وهي متداخلة ومتجاورة لعدة لهجات منها : أ. اللهجات الشمالية والشمالية الغربية (الكرمانجية).
ب. اللهجات الجنوبية (السورانية)او (الصورانية) . ج. اللهجات الجنوبية الشرقية (سنه يي ، كرمنشاهي، ولكي).
اللهجة الكرمانجية الوسطى
وهي من اللهجات الرئيسة التي يتداولها قسم كبير من ابناء كوردستان ، وتتكلم بها عشائر كثيرة في المناطق الجبلية فيها ، ومدن عديدة ، كذلك تنقسم هذه اللهجة الى اربع لهجات محلية هي : أ. لهجة الموكرية : وتتكلم بها عشائر كثيرة ضمن المنطقة الجبلية ، وهي كل منشنو، نغده، مراغه، مياندواب، شاهين دز، سقز ، بوكان، بانه، سردشت).
ب. لهجة السورانية : وتتكلم بها عشائر عاصمة اقليم كوردستان (اربيل)عدا عشيرة الزيبار . ج. لهجة الاردلانية : وتتكلم بها العشائر الكوردية ضمن مناطق جوانرو ، ومركز مدينة سنندج . د. لهجة السليمانية :وتتكلم بها عشائر مدينة السليمانية وتوابعها مثل الجاف، بشده ر، الهماوند ، اسماعيل عزيزي ، جنكي الهاورامية ، مريواني( ).
هـ. لهجة الكرميانية : وهذه اللهجة لا تختلف كثيرا عن اللهجة المنطوق بها في السليمانية ، ولكنها في نفس الوقت وبمرور الزمن اصبحت لهجة معروفة ومنتشرة وبالاخص في منطقة(كفري، وقرة تبة ، وكركوك ، وتلعفر) والقرى المحاددة لمنطقة كركوك في شمال ديالى وغربها وشرقها . وهناك رأي في نظر بعض الباحثين عن لهجات اللغة الكوردية بانها تقسم الى ثلاثة لهجات رئيسة ، وبقية اللهجات الاخرى تقع ضمنها ولا تخرج عنها ، وسواء من قال بهذا الرأي ام غيره فاللغة الكوردية بجميع تفرعاتها من اللهجات المحلية تلتقي عند دائرة واحدة هي دائرة اللغة الكوردية التي يتكلم بها شعب واحد ذات اصل وفصل وقومية حية نابضة بالحياة رغم العراقيل والصعوبات الظاهرة والخفية والمحن والظروف القاسية التي لاقاها هذا الشعب من اباطرة الدول والحكومات المتتالية في السابق والحاضر..
فالكورد قومية عريقة ذات جذور ممتدة الى الاف السنين ، وهم اقدم من غيرهم في التاريخ بميزاتهم الخاصة بهم كالارض واللغة والتواصل بين ابناء البلاد الواحدة وهي كوردستان الكبرى